على خلاف حكم الوهم والخيال لأن الإنسان حال اليقظة أكمل منه حال النوم. فلما عجز عن معرفة الغيب حال كماله فلأن يعجز عنها حال كماله في الغفلة والنقصان كان ذلك أولى. فعلمنا : أن حكم الوهم والخيال قد يكون باطلا مردودا.
الحجة الثامنة : إنا نبصر الأشياء. إلا أن القوة الباصرة نفسها وكذلك القوة الخيالية تتخيل الأشياء إلا أن هذه القوة لا يمكنها أن تتخيل نفسها ، فوجود القوة الباصرة والقوة الخيالية يدل على أنه لا يجب أن يكون كل شيء محسوسا متخيلا.
الحجة التاسعة : أن نقول : المكان والزمان [موجودان. ولم يحصلا البتة في المكان والزمان. فقد يثبت وجود لا يحيط به المكان والزمان (١)] فنفتقر هاهنا إلى بيان أمرين : الأول : إن الزمان والمكان [موجودان (٢)] ونقول : أما المكان فالمراد منه الفضاء والخلاء الذي يحصل الجسم فيه. والدليل عليه : أنا إذا فرضنا أن الجبل قد انقلع من موضعه وانتقل بكليته إلى جانب آخر ، فإن المنتقل هو الجبل. وأما تلك الجهة التي كان الجبل حاصلا فيها فإنها لم تنتقل البتة. والعلم بذلك ضروري. إذا ثبت هذا فنقول : تلك الجهة موجود من الموجودات. والدليل عليه : أن تلك الجهة مغايرة لما سواها من الجهات بالعدد وبالإشارة الحسية. ولذلك فإنا نقول : إن هذا الجبل انتقل من تلك الجهة إلى جهة أخرى ولو لا أن الجهة الأولى مغايرة للجهة الثانية وإلا لكان انتقال الجبل من إحداهما إلى الأخرى محالا.
والذي يقوله المتكلمون : إن الجهة والحيز لا وجود لها في أنفسها وإنما هي أمور يفرضها العقل ويقدرها الوهم. فهو كلام باطل. وذلك لأن هذا الانتقال حاصل في نفس الأمر ، سواء وجد العقل والذهن أو لم يوجد. وإذا كان كذلك وجب أن تكون الجهة موجودة في نفسها سواء وجد الذهن أو لم يوجد. فثبت
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).