المحيطة بنا. كان هذا نفيا لوجوده ، وحكما بكونه عدما محضا وسلبا صرفا. ولذلك فإنا إذا قلنا : إن فلانا لم يوجد في الدار ولم يوجد خارج الدار : كان هذا نفيا لوجوده ، وإذا كان لا طريق إلى تقرير النفي المحض والسلب الصرف إلا هذا ، ثبت أنا لو نفينا كونه تعالى على أحد هذه الوجوه فإنه يلزم منه [نفي (١)] وجوده.
فهذه جملة كلمات الخصوم في تقرير أن هذه المقدمة بديهية.
واعلم أنه إن كان المقصود من هذه الكلمات : ادعاء أن إثبات موجود لا في داخل العالم ولا في خارج العالم قول معلوم الفساد بالضرورة والبديهة. فنحن قد بينا بالوجوه العشرة الكاملة أن ادعاء البديهة هاهنا فاسد باطل. وإن كان المقصود منها ذكر الدليل على وجوب (٢) كون الله تعالى في الجهة. فنقول : هذا باطل لأن بتقدير أن يكون الحق هو أن الله تعالى غير مختص بالحيز والجهة أصلا. فهل يصح على هذا التقدير أن يقال : إنه تعالى خلق العالم في ذاته أو خارج ذاته؟ لا أظن أن العاقل يحكم بصحة هذا التقسيم على تقدير سبق الاعتقاد بأنه مختص بالحيز والجهة أصلا. لأن على هذا التقدير يكون الحق هو أنه تعالى خلق العالم لا في ذاته ولا مباينا عن ذاته بالحيز والجهة. فيثبت : أن قوله : إنه تعالى خلق العالم في ذاته أو خارج ذاته ، إنما يظهر كونه حقا بتقدير أن يثبت أنه يجب كونه تعالى مختصا بالحيز والجهة. فلو أثبتنا صحة هذه المقدمة بالبناء على تلك المقدمة لزم توقيف الدليل على المدلول وتوقيف المدلول على الدليل ، وأنه يوجب الدور. والدور الباطل. فيثبت أنه إن كان مقصودهم من تلك الكلمات مجرد ادعاء البديهة فهو باطل قطعا. لأن الشيء المختلف فيه بين العقلاء قديما وحديثا. كيف يمكن ادعاء البديهة فيه؟ لا سيما وجمهور العقلاء المحققين مصرون على فساده ، وإما إن كان مقصودهم منه ذكر الدليل فهو يوجب الدور ، لأجل أن هذه المقدمة لا يمكن الاعتراف بصحتها إلا بعد إثبات هذا المطلوب ، فلو حاولنا إثبات هذا المطلوب بتلك المقدمة لزم الدور. وهذا كلام
__________________
(١) من (و).
(٢) وجود (س).