الكرامية فإنهم زعموا : أنه مشار إليه بحسب الحس. وزعموا : أنه غير متناه. ومنهم من يقول: إنه متناه ، إلا أنه في غاية العظمة. ثم زعموا مع ذلك : أنه واحد لا يقبل القسمة. فلا جرم صار قولهم على خلاف صريح العقل.
أما قوله : «الذي لا يحس به ولا يشار إليه أشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ» قلنا : كونه موصوفا بالحقارة ، إنما يلزم لو كان له حيز ومقدار ، حتى يقال : إنه أصغر من غيره فأما إذا كان منزها عن المقدار والحيز ، ولم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار. فلم يلزم وصفه بالحقارة والصغر؟ [والله أعلم (١)].
الحجة الثانية في بيان أنه يمتنع كونه مختصا بالحيز والجهة : [إنه لو كان مختصا بالحيز، والجهة (٢)] لكان محتاجا في وجوده إلى ذلك الحيز والجهة. وهذا محال ، فذاك محال. بيان الملازمة : إن الحيز والجهة موجود من الموجودات ، والدليل عليه وجوه :
الأول : إن الأحياز الفوقانية مخالفة في الحقيقة والماهية ، للأحياز التحتانية. بدليل أنهم قالوا : يجب أن يكون الله تعالى مختصا بجهة الفوق ، ويمتنع حصوله في سائر الجهات والأحياز ، أعني التحت واليمين واليسار ، فلولا كون الأحياز مختلفة في الحقائق والماهيات. وإلا لامتنع القول بأنه يجب حصوله تعالى في الفوق ، ويمتنع حصوله في سائر الجهات. فيثبت بما ذكرنا : أن هذه الأحياز أمور مختلفة في الماهيات ، ويجب كونها أمورا موجودة لأن العدم المحض يمتنع كونه كذلك.
الثاني : إن الجهات مختلفة بحسب الإشارات الحسية ، والنفي المحض والعدم الصرف ، يمتنع تميز بعضه عن البعض في الإشارة الحسية.
الثالث : إن الجوهر الفرد إذا انتقل من حيز إلى حيز ، فالحيز المتروك
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و ، س).