وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته فالواجب لذاته ممكن لذاته وذلك محال.
الثاني : إنه إذا كان حصوله في الحيز المعين من الجائزات ، امتنع أن يحصل في حيز من الأحياز إلّا بتخصيص مخصص ، وبجعل جاعل ، وكل ما حصل بفعل فاعل مختار ، فهو محدث. فيلزم أن يكون حصوله في الحيز المعين محدثا. وإذا امتنع خلو ذاته عن الحصول في الحيز المعين ، وثبت أن الحصول في الحيز المعين محدث ، لزم أن يقال : إن ذاته لا تخلو عن المحدث ، وما لا يخلو عن المحدث فهو محدث ، فيلزم أن تكون ذاته محدثة ، وهو محال. فيثبت بما ذكرنا : أنه تعالى لو حصل في حيز ، لحصل فيه أما مع الوجوب ، أو مع الجواز. وثبت فساد كل واحد من هذين القسمين ، فوجب القطع بامتناع حصوله في الحيز والجهة.
الحجة الخامسة في بيان أنه يمتنع حصول ذات الله تعالى في شيء من الأحياز والجهات : هو أن الأرض كرة ، وإذا كان كذلك امتنع كونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة.
أما بيان الأول فقد قررناه بالدلائل الكثيرة ، إلا أنا نذكر هاهنا وجها واحدا ، وهو أنه إذا حصل خسوف قمري ، فإذا سألنا سكان أقصى المشرق عن أوله قالوا : إنه حصل في أول الليل ، وإذا سألنا سكان أقصى المغرب ، قالوا : إنه حصل في آخر الليل ، فعلمنا أن أول الليل في أقصى المشرق هو آخر الليل في أقصى المغرب ، وذلك يوجب كون الأرض كرة. وإنما قلنا : إن الأرض لما كانت كرة ، امتنع كون الله تعالى حاصلا في شيء من الأحياز : هو أن الأرض إذا كانت كرة فالجهة التي هي فوق ، بالنسبة إلى سكان أهل المشرق : هي تحت بالنسبة إلى سكان أهل المغرب ، وعلى العكس ، فلو حصل الباري تعالى في شيء من هذه الجهات ، لكان تعالى في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس ، وعلى العكس. وذلك باطل باتفاق العقلاء. فيثبت : أنه يمتنع كونه تعالى حيزا ، حاصلا في الحيز والجهة.
الحجة السادسة في إثبات هذا المطلوب : أن نقول : لو حصل الباري