يقتضي حصول الذات الواحدة بتمامها في الأحياز الكثيرة دفعة واحدة ، وذلك محال. ولأنه لما حصل ذلك الواحد في كل تلك الأحياز ، وكل واحد منها تحت حيز آخر ، فحينئذ يلزم أن تكون تلك الذات حصلت في التحت لا في الفوق. وهو محال. والثاني أيضا محال ، لأنه يقتضي كون تلك الذات مركبة مؤلفة. وأيضا : فكل واحد من تلك الأجزاء لما حصل في واحد من تلك الأحياز ، وقد ثبت أن كل واحد من تلك الأحياز المعينة ، فإنه تحت حيز آخر ، فحينئذ يعود ما ذكرنا إلى أنه تعالى حاصل في التحت ، لا في الفوق ، وذلك محال. فيثبت : أن القول بكونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فوجب أن يكون القول به محالا.
الحجة السابعة : لو كان الله تعالى حاصلا في الحيز والجهة ، لكان المسمى بالحيز والجهة ، إما أن يكون موجودا أو معدوما ، والقسمان باطلان ، فبطل القول بوجوب كونه تعالى في الحيز. أما الحصر فظاهر ، وإما إبطال كون الحيز موجودا. فالدليل عليه : أنه امتنع خلو ذات [الله تعالى عن الحصول في الحيز ، ولو كان الحيز أمرا موجودا ، لزم احتياج ذات الله تعالى (١)] إلى غيره ، وواجب الوجود لذاته يمتنع كونه محتاجا إلى الغير. وأما إبطال كون الحيز معدوما [فلأن المعدوم (٢)] نفي محض وعدم صرف ، فجعله ظرفا لذات الله تعالى ، وجعل ذات الله مظروفا فيه : محال.
فإن قيل : فهذا بعينه وارد في الأجسام فيلزم نفي كونها حاصلة في الأحياز ، وذلك قول باطل. فنقول : الجواب عنه من وجهين :
الأول : إنا نقول : الحيز والجهة أمر موجود ، وهو البعد المجرد والفضاء المحض ، فإذا قلنا : إن الجسم يحتاج إليه لم يلزم منه محال ، لأن الجسم ممكن الوجود لذاته ، والقول بكون الممكن لذاته محتاجا إلى الغير ليس قولا باطلا. أما القول بأن واجب الوجود لذاته يحتاج إلى الغير فهو قول باطل فظهر الفرق.
__________________
(١) من (و).
(٢) من (س).