الوجه الثاني في الجواب : أن نقول : المكان إما أن يكون مفسرا بالبعد الذي ينفذ فيه الجسم ، أو بالسطح المحيط. فإن كان الحق هو الأول ، فالجواب ما ذكرناه في الوجه الأول. وهو فرق صحيح ، وإن كان الحق هو الثاني ، قلنا : إن كل العالم ليس في حيز وجهة البتة ، بل هو ذات مركبة من الأجزاء والأبعاض ، فإن حكمتم بكون الباري تعالى كذلك ، كان ذلك قولا بأنه جسم مؤلف من الأجزاء ، وقد سبق بيان أن ذلك قول باطل.
الحجة الثامنة : إن كل ما صحت الإشارة الحسية إليه بأنه هاهنا أو هناك ، فإما أن يكون موصوفا بهذه الصفة على سبيل الأصالة والاستقلال ، أو على سبيل التبعية ، فإن كان الأول فهو الجسم ، وإن كان الثاني فهو العرض ، ولما دللنا في الفصل المتقدم على أنه يمتنع كونه جسما. وظاهر أنه أيضا ليس بعرض ، وإلّا لكان محتاجا إلى المحل ، فحينئذ يلزم منه امتناع كونه حاصلا في الحيز والجهة. وهو المطلوب.
الحجة التاسعة : إن كل ما كان مشارا إليه بحسب الحس ، وكان شيئا عظيما ، فإنه لا بد وأن نفرض فيه الأجزاء والأعضاء ، لأن الشيء الذي منه يحاذي يمين العرش ، غير الشيء الذي منه يحاذي يسار العرش ، وكيف لا نقول ذلك ونقول : بأن هذا الجانب يحاذي يمين العرش لا يساره ، والجانب الآخر منه يحاذي يسار العرش لا يمينه؟ فلو كان الجانبان شيئا واحدا ، لزم اجتماع النفي والإثبات ، وأنه محال.
وإذا ثبت هذا فنقول : كل واحد من النصفين يماس النصف الآخر بأحد وجهيه دون الثاني. والوجهان متساويان في تمام الماهية ، والمتساويان في تمام الماهية ، يجب أن يصح على كل واحد منهما ما يصح على الآخر ، وكما صح على أحد النصفين أن يماس النصف الآخر بأحد وجهيه دون الثاني ، وجب أن يصح عليه أن يماسه بالوجه الثاني دون الأول. ومتى صح ذلك ، لزم صحة التفرق والتمزق عليه ، فيثبت : أن كل ما حصل في الجهة والحيز ، وكان عظيم الذات ، فإنه يكون جسما مؤلفا من الأجزاء ، أو يكون التفرق والتمزق عليه