جائزا ، ولما كان ذلك على الله محال ، وجب القول بتنزيهه عن الحيز والجهة [والله أعلم (١)].
الحجة العاشرة : لو كان تعالى فوق العرش ، أو مباينا للعرش ببينونة متناهية ، أو مباينا له ببينونة غير متناهية. والأقسام الثلاثة باطلة فالقول بكونه فوق العرش قول باطل. أما الحصر فظاهر. وأما بيان أنه يمتنع أن يكون مماسا للعرش : فالدليل عليه : أن العرش مؤلف من الأجزاء والأبعاض ، فالذي يماسه هذا الجزء من العرش ، غير الذي يماسه الجزء الثاني من العرش ، وكما أن العرش مؤلف من الأجزاء والأبعاض ، وجب أن يكون الله تعالى مؤلفا من الأجزاء والأبعاض. وأيضا : فلو عقل بأن يكون المؤلف من الأجزاء والأبعاض إلها ، فلم لا يجوز أن يقال : إن إله العالم هو العرش نفسه؟ لأنه لو جاز أن يقال : إن الإله مؤلف من الأجزاء والأبعاض ، مع أنه لا يقبل التفرق والتمزق ، فلم لا يجوز أن يقال : العرش وإن كان مؤلفا من الأجزاء والأبعاض إلا أنه لا يقبل التفرق والتمزق ومعلوم أن فتح هذا الباب يفضي إلى نفي الصانع ، وكل صفة يفضي إثباتها إلى نفي الموصوف فهو باطل فيثبت : أن القول بكون الإله مماسا للعرش قول باطل.
وأما القسم الثاني وهو أنه تعالى مباين للعرش ببينونة متناهية : فهذا أيضا باطل ، لأن على هذا التقدير تكون ذات الله تعالى محاذية لذات العرش ، وموازية لها ، وواقعة في مقابلتها ، وكل ما ذكرناه في المماسة فهو بعينه قائم في هذه المحاذات وأيضا : فعلى هذا التقدير لا يمتنع أن يرتفع العالم من حيزه إلى الجانب الأعلى ارتفاعا متناهيا وحينئذ يلزم صحة أن تصير ذات الله مماسا للعرش.
وأما القسم الثالث وهو أن يكون مباينا للعرش ببينونة غير متناهية : فهذا أيضا باطل ، لأنه إذا كان العالم من أحد الجانبين وكانت ذات الله من الجانب الآخر ، فحينئذ يكون البعد بينهما محدودا بهذين الطرفين ، فلو قلنا : إن
__________________
(١) من (و).