موجودا في الأزل ، فإن الأزل ليس عبارة عن وقت معين ، وحد محدود ، حتى يقال : البعد بين ذلك الوقت المعين وبين هذا الوقت الذي نحن فيه ، بعد غير متناه ، بل الأزل عبارة عن نفي الأولية من غير أن يكون ذلك عبارة عن وقت معين ، وحد محدود. وأما هاهنا فبتقدير أن تكون ذات الله تعالى مباينة للعالم بالحيز والجهة ، وجب أن يكون ذات الله محدودا من جهة التحت ، فيكون ذلك الحد ظرفا معينا ، وحدا معينا ، فيكون البعد بينه وبين طرف العالم محدودا بهذين الطرفين ، فيمتنع وصفه بكونه غير متناه. وهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل.
الحجة الحادية عشر : إنه تعالى لو كان حاصلا في حيز معين لكنا إذا فرضنا وصول إنسان إلى طرف ذلك الشيء ، فإما أن يمكنه الدخول فيه ، والنفوذ فيه وإما أن لا يمكن ، فإن كان الأول كان كالهواء اللطيف ، والماء اللطيف ، فحينئذ يكون قابلا للتفرق والتمزق ، وإن كان الثاني فحينئذ يكون صلبا كالحجر الصلد الذي يمتنع النفوذ فيه ، فيرجع حاصل هذا القول : إلى أن إله العالم عند القائلين بالمكان والجهة : شيء رقيق كالماء والهواء [أو شيء صلب كالحجر (١)] فيكون [هذا القابل أما الهواء اللطيف وأما الحجر الصلب (٢)] فيكون حاصل قوله : إنه حصل فوق العرش حجر صلب : جاري مجرى جبل عظيم ، وهو بعينه (٣) ذلك الجبل. ومعلوم أن هذا القول بعيد عن العقل جدا.
الحجة الثانية عشر : وهي حجة استقرائية اعتبارية ـ فنقول : إنا رأينا أن الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى وأكمل ، كانت القوة الفاعلة المؤثرة فيه أضعف وأنقص. وكلما كان حصول معنى الجسمية فيه أنقص وأضعف ، كان حصول القوة الفاعلة فيه أقوى وأكمل ، وتقريره : إنا وجدنا الأرض أكثف الأجسام وأقواها حجمية ، فلا جرم لم يحصل فيها إلا قبول الأثر
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).
(٣) وهو يفيد ذلك الجبل (س).