والمعقول من كونه ذاتا قائما بالنفس ، مغاير للمعقول من كونه عالما قادرا. ولذلك فإنه يمكننا أن نعقل كونه ذاتا قائمة بالنفس مع الشك في كونه تعالى عالما قادرا ، والمعلوم مغاير لغير المعلوم ، فيثبت : أن العلم والقدرة صفتان قائمتان بالذات. وبيان أن كل ما كان موصوفا بالصفات فلا بد وأن يكون جسما حاصلا في الحيز : هو أن المعقول من قيام الصفة بالذات كون الصفة حاصلة في تلك الجهة المعينة ، تبعا لحصول محلها في تلك الجهة. فإنا إذا رفعنا هذا المعنى من العقل فحينئذ لا يبقى في العقل تفاوت بين الذات وبين الصفة. وحينئذ لا يكون كون أحدهما ذاتا والآخر يجب أن يكون حاصلا في الحيز ، لزم القطع بكونه تعالى حاصلا في الحيز. والحاصل : أنه ثبت أنه لا معنى لا تصاف الذات بالصفة إلا حصول الصفة في الجهة المعينة ، تبعا لحصول محلها في تلك الجهة.
ثم إن المعتزلة قالوا : لكنه يمتنع كونه تعالى حاصلا في الحيز ، فيمتنع كونه موصوفا بالصفات.
والمجسمة قالوا : لكنه ثبت كونه موصوفا بالصفات ، فوجب الجزم بكونه تعالى حاصلا في الحيز.
الشبهة الخامسة : إني رأيت مناظرة طويلة ، جرت بين مشبه وموحد ، فلخصت تلك المناظرة وضممت إليها زوائد كثيرة. وهي هذه : قالوا : لا شك أن كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما مجانبا للآخر أو مباينا عنه. والمراد من المجانبة كون كل واحد منهما بجنب الآخر ، أي أن (١) يكون أحدهما ساريا في الآخر. وهذا هو المراد من لفظ المجانبة ، فليكن المراد معلوما منه ، إذا ثبت هذا فنقول : كون كل موجودين في الشاهد كذلك إما أن يكون بخصوص كونه جوهرا ، أو بخصوص كونه عرضا ، أو لأمر مشترك بين الجوهر والعرض ، وذلك المشترك إما الوجود أو الحدوث والكل باطل سوى الوجود ، فوجب أن تكون العلة لذلك الحكم هي الوجود فقط ، والباري تعالى موجود فوجب الجزم بأنه تعالى لا بدّ وأن يكون إما مجانبا للعالم ، أو مباينا عنه بالجهة.
__________________
(١) أي أن : (س) الآخر أن يكون (و).