فلا حاجة بنا في هذا المقام إلى بيان : أن الحاكم بهذه المقدمة (١)] هو الوهم أو غيره. وأما إن اعترفتم بأن الجزم بهذه القضية يساوي الجزم بالبديهيات. فنقول : إن العلم بأن أحد الجزمين حاصل من العقل الصادق ، وأن الجزم الثاني حاصل من الوهم الكاذب ، أهو علم ضروري أو نظري؟ فإن كان علما ضروريا ، كان العلم الضروري حاصلا بأن الحكم [بأن كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر ، أو مباينا عنه بالجهة حكم (٢)] كاذب. ومتى كان الأمر كذلك ، كان كذب هذه القضية معلوما بالضرورة. وقد كنا فرضنا : أن الجزم بصحتها يساوي الجزم بالبديهيات في القوة. هذا خلف. وإن كان ذلك العلم مستفادا من الحجة والدليل ، فحينئذ تتوقف صحة البديهيات ، على هذا النظر والدليل ، لكن العلم بصحة النظريات ، موقوف على العلم بالبديهيات. فيلزم الدور ، والدور باطل. فكان العلم بصحة هذه البديهيات موقوفا ، على مقدمة باطلة ، والموقوف على الباطل باطل، فيلزم القدح في كل البديهيات ، وذلك باطل قطعا. فعلمنا : أن الجواب الذي عول عليه الشيخ الرئيس هاهنا فيه هذا البحث الغامض [والله أعلم (٣)].
والجواب عن الشبهة الثالثة : إنه بناء على أن إدراك الشيء ، لا يتم إلا عند حصول صورة المعلوم في ذات العالم ، والاستقصاء التام فيه. قد سبق.
والجواب عن الشبهة الرابعة : إنها مبنية على أن معنى حصول الصفة في الموصوف : حصول تلك الصفة في ذلك الحيز ، تبعا لحصول تلك الذات فيه. وهذا باطل. لأن حصول تلك الذات في هذا الحيز صفة لتلك الذات ، قائمة بها ، فلو كان معنى حصول الصفة ما ذكرتم ، لوجب أن يكون حصوله في الحيز مسبوقا بحصول آخر في ذلك الحيز ، وذلك يوجب التسلسل وهو محال.
والجواب عن الشبهة الخامسة : من وجوه :
__________________
(١) من (س).
(٢) من (و).
(٣) من (و).