الأول : إن مدار هذه الشبهة على أن كل موجودين في الشاهد ، فإنه يجب أن يكون أحدهما مجانبا للآخر ، أو مباينا له بالجهة. وهذه المقدمة ممنوعة. وبيانها من وجوه : الأول : إن جمهور الحكماء [أثبتوا موجودات غير مجانبة لهذا العالم الجسماني ، ولا مباينة عنه بالجهة. وذلك لأنهم (١)] أثبتوا العقول والنفوس الفلكية ، والنفوس الناطقة ، وأثبتوا الهيولى ، وزعموا أن هذه الأشياء موجودات غير متحيزة ، ولا حالة في المتحيز ، ولا يصدق عليها أنها مجانبة لهذا العالم ، ولا مباينة ، عنه بالجهة. الثاني : إن جمهور المعتزلة أثبتوا إرادات وكراهات موجودة لا في محل ، وفناء لا في محل ، إذا خلقه الله تعالى ـ يعنون به جميع الأجسام ـ وهذه الأشياء لا يصدق عليها أنها مجانبة للعالم ولا أنها مباينة عنه بالجهة. الثالث : إنا نقيم الدلالة القاطعة على أن الإضافات موجودات في الأعيان. ثم نبين أنه يمتنع كونها مجانبة للعالم أو مباينة عنه بالجهة. وذلك يبطل كلامهم.
أما بيان كون الإضافات موجودات في الأعيان : [فقد ذكرناه في باب أقسام الأعراض. وأما بيان أنه لما كانت الإضافات موجودة في الأعيان (٢)] فإنه يمتنع أن يصدق عليها كونها مجانبة للذوات أو مباينة عنها بالجهة ، فهو أنه لو كان الأمر كذلك ، لزم أن يقوم بنصف الأب ، نصف الأبوة ، وبثلثه ثلثها. ومعلوم أن ذلك باطل ، فيثبت أن كون هذه الإضافات سارية في ذات الأب ، قول محال. وأيضا يمتنع أن يقال إن هذه الإضافات مباينة بالجهات عن ذات الأب ، وإلا لزم كون الأبوة جوهرا قائما بذاته وهو محال. فثبت بهذه البيانات : وجود موجودات لا يصدق عليها أنها مجانبة للجسم ، أو أنها مباينة عن ذات الجسم بالجهة ، فيثبت بهذا بطلان هذه المقدمة.
السؤال الثاني : سلمنا : أن كل موجودين في الشاهد ، فلا بد وأن يكون أحدهما مجانبا للآخر ، أو مباينا عنه بالجهة ، لكن كون الشيء بحيث يصدق
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).