فيلزم أن يكون الباري تعالى ، إما حجما وإما قائما بالحجم. وأكثر الكرامية لا يقولون به.
واعلم أنا إنما طولنا في الكلام على هذه الشبهة ، لأن الكرامية يعوّلون عليها ، ويظنون أنها حجة قاهرة ، ونحن بعد أن بالغنا في تهذيبها وترتيبها ، أوردنا عليها هذه الأسئلة القاهرة ليظهر ضعفها. والله أعلم.
والجواب عن الشبهة السادسة وهي رفع الأيدي إلى السماء. فنقول : إن رفع الأيدي إلى السماء إنما كان لأجل أن السماء منزل البركات والخيرات. فإن الأنوار إنما تنزل منها والماء إنما ينزل منها وإذا ألف الإنسان حصول الخيرات من جانب ، مال طبعه إليه ، فهذا المعنى هو الذي أوجب رفع الأيدي إلى السماء وتوجه الأبصار إليها.
والذي يدل عليه : أن الموضع الذي من السماء : يكون فوقا لأهل بلد ، يكون يمينا لأهل بلد آخر ، ويسارا لأهل بلدة ثالثة. والدليل عليه : أن الشمس إذا كانت في أول السرطان ، فإن الضوء ينزل إلى أعماق الآبار في مكة والمدينة ويضيء جميع جوانب البئر ، وليس الأمر كذلك في البلاد الشمالية ، وهذا مما يعرفه جميع العوام الذين سافروا في البلاد. وإذا ثبت هذا فنقول : إن أهل كل بلد ، يرفعون أيديهم إلى الجانب الذي هو فوقهم ، فإن كان إله العالم كائنا في الموضع الذي هو فوق هذه البلدة ، لزم أن يكون [إله العالم (١)] كائنا لا فوق البلدة الثانية ، بل إما على يمينها ، أو على يسارها ، أو جهة أخرى. وحينئذ لا يلزم من رفع الأيدي إلى السماء كون الإله فوق ذلك الموضع. وأما إن قلنا : إن إله العالم كائن فوق جميع البلاد فهذا القول إنما يتم لو كان إله العالم كرة محيطة بجميع الأرض ، وحينئذ يرجع حاصل هذا القول إلى أن إله العالم فلك من الأفلاك المحيطة بالأرض ، ومعلوم أن العاقل لا يقول ذلك.
والجواب عن الشبهة السابعة : هو أن الدعوة للخلق إلى الحق يجب أن تكون واقعة على أحسن الوجوه وأقربها إلى الصلاح ، ولما كان التصريح بالتنزيه
__________________
(١) من (س).