الفضاء واجب الوجود لذاته ، ويثبت : أن ما سواه من الذوات والصفات مفتقر إليه (١)] ويثبت : أنه غني عن كل ما سواه ولا معنى للإله الواجب الوجود لذاته ، إلا ذلك. فيثبت : أن إله العالم ليس إلا هذا الفضاء الذي لا نهاية له. ثم قالوا : إن جميع الصفات اللائقة بالإلهية ، حاصل فيه. فإحداهما : قولنا : الإله يجب أن يكون غير متناهي ، وهذا الفضاء كذلك ، لأنه لو كان متناهيا ، لكان إما أن يتميز جانب عن جانب في الخارج منه ، وإما أن لا يتميز ، فإن حصل ذلك الامتياز فهو موجود حال ما فرض معدوما.
هذا خلف. وإن لم يحصل ذلك الامتياز ، فقد ذكرنا : أن بديهة العقل تحكم بامتناع ذلك. وثانيها : أن من صفات الإله تعالى أنه مع كونه غير متناهي ، يكون غير قابل للفصل والوصل ، والاجتماع والافتراق. وهذا الفضاء كذلك. لأنه مع كونه غير متناهي لا يقبل التفرق والتمزق ، والفصل والوصل ، بل هو باقي أبد الآباد على حالة واحدة. وثالثها : أنه جاء في صفة اللّه تعالى كونه قريبا من عباده ، كما في جاء في الكتاب الإلهي من قوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) ومن قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣) والقول : بأن إله العالم هو هذا الفضاء يحقق هذا الكلام.
وأما قول من يقول : إنه على هذا التقدير تكون ذاته مخالطة للقاذورات. فهو كلام ضعيف. لأن هذا إنما يصير إذا تأثر ذلك الشيء بمخالطة غيره (٤) والفضاء لا تتغير ذاته ولا حقيقته بحسب ما يحصل فيه البتة ، ألا ترى أنه لا نزاع في أنه تعالى موجود (٥) مع كل الحوادث ، ولم يلزم من كونه تعالى مع هذه الحوادث بسبب الوقت والزمان : نقص في ذاته. فكذلك لا يلزم من كونه تعالى معها بحسب الجهة والمكان : حصول نقص فيه. ورابعها : إن على هذا
__________________
(١) من (و)
(٢) الحديد ٤
(٣) ق ١٦.
(٤) بما يخالطه (و).
(٥) من (س).