تلك الماهيات المعلومة في أنفسها قبل تعلق ذلك العلم بها ، فهذا موضع بحث غامض.
وأما القائلون بقدم العالم فقد يقولون : إن الحوادث الماضية غير متناهية ، وقد يقولون أيضا : [إن الحوادث المستقبلة غير متناهية. أما إذا قلنا : الحوادث الماضية غير متناهية فلا نريد به (١)] أن ذلك المجموع دخل في الوجود ، مع كونه غير متناهي العدد ، فإن ذلك المجموع البتة لا وجود له. لا في الأعيان ولا في الأذهان ، أما في الأعيان فلأن الموجود منه أبدا ليس إلا الواحد ، وأما المجموع فلا يحصل له وجود البتة في شيء من الأوقات ، وأما في الأذهان فلأن الذهن لا يقوى على استحضار أعداد غير متناهية على التفصيل. نعم الذهن يقوى على استحضار معنى اللانهاية ، إلا أن هذا المعنى شيء واحد ، وحقيقته واحدة. فأما أن يقوى الذهن على استحضار أعداد لا نهاية لها فذلك محال. فيثبت : أن مجموع الحوادث الماضية لا وجود لها في الأعيان ولا في الأذهان. وإذا ثبت هذا فنقول : إنا إذا قلنا : إنه لا نهاية للحوادث الماضية عنينا به : أن الوجود لا ينتهي في طرف الماضي إلى جانب لا يكون مسبوقا بحادث آخر ، بل يكون كل حادث مسبوقا بحادث آخر ، لا إلى أول.
وهذا هو تفسير قولنا : إنه لا نهاية للحوادث في طرف الماضي. وأما قولنا : إنه لا نهاية لها في طرف المستقبل فاعلم أنه يصح أن يقال : إن الحوادث في طرف المستقبل أبدا متناهية بالفعل ، ويصح أن يقال : إنها أبدا متناهية بالقوة [ويصح أن يقال إنها أبدا غير متناهية لا بالفعل ولا بالقوة. أما أنها أبدا متناهية بالفعل (٢)] فلأنها أبدا تكون منتهية إلى حادث معين ، يكون هو آخر لكل ما مضى ، فالحوادث أبدا تكون متناهية بالفعل ، وأما أنها أبدا تكون متناهية بالقوة ، فلأن كل حادث يحدث فستحدث بعده حوادث أخرى بعد ذلك ، وتلك الحوادث المستقبلة تكون بالقوة والجملة الماضية عند كل واحد منها تكون متناهية ، فالجملة الماضية بحسب كل واحد من تلك الآحاد التي هي
__________________
(١) من (و).
(٢) من (و).