إذا عرفت هذا فنقول : عند حصول هذه الشرائط الثمانية يجب الإبصار ، إذ لو لم يجب لجاز أن يكون بحضرتنا تلال وبوقات ونحن لا نراها ولا نسمعها. وذلك يفضى إلى السفسطة. فيثبت أن عند حصول هذه الشرائط الثمانية يجب الإبصار.
إذا عرفت هذا فنقول : لو كانت رؤية الله جائزة لما اعتبر في حصولها إلا الشرطان الأولان ، أعني كون الحاسة سليمة ، وكون المرئي بحيث تصح رؤيته. فأما الشرائط الستة الباقية فإنه يمتنع اعتبارها في حق الله تعالى ، لأنه إنما يمكن اعتبارها بالنسبة إلى الجسم ، وإلى الشيء الذي يكون حاصلا في الحير والجهة ، والباري تعالى مقدس عن هذه الحالة ، فيثبت أنه بتقدير أن تجوز رؤية الله تعالى ، فإن الشرائط الست لا يمكن اعتبارها في حق الله تعالى ، فلم يبق في حصول رؤية الله إلا سلامة الحواس ، وكون المرئي بحيث تصح رؤيته. وهذا أن الشرطان حاصلان في الحال ، فكان يجب أن نراه الآن ، فيثبت بما ذكرناه : أنه لو صحت رؤيته لوجب أن نراه الآن ، ومعلوم أنا لا نراه الآن ، فوجب أن يقال : إنما لا نراه الآن لكونه في نفسه ، بحيث تمتنع رؤيته ، وذلك هو المطلوب.
الحجة الثانية : إن شرط حصول الرؤية كون الرائي مقابلا للمرئي ، أو في حكم المقابل ، والعلم بهذا الاشتراط ضروري ، وهذا الشرط إنما يعقل ثبوته في حق الشيء الذي يكون مختصا بالحيز والجهة ، ولما كان الله تعالى منزها عن هذه الصفة ، كان شرط جواز الرؤية فائتا فوجب القطع بامتناع حصول هذه الرؤية.
الحجة الثالثة : إن الرؤية يمتنع حصولها إلا عند انطباع صورة المرئي في حدقة الرائي ، وهذا إنما يعقل إذا كان المرئي له شكل وصورة ، ولما كان ذلك في حق الله تعالى محالا ، كانت رؤية الله تعالى ممتنعة عقلا.
الحجة الرابعة : المرئي يجب أن يكون لونا أو متلونا ، ويجب أن يكون شكلا ولما كان الحق تعالى منزها عن هذه الأحوال ، وجب القطع بامتناع رؤية