التعجب من أن القوم كيف غفلوا عنه.
والسؤال الثالث : لم لا يجوز أن يقال : هذه المرتبة الثالثة التي هي الانكشاف التام ، إن حصلت في حق المحسوسات والجسمانيات ، فإنها تكون واجبة الحصول عند سلامة الحاسة الظاهرة وإن اعتبرت في حق المجردات والمفارقات ، فإن تلك الحالة إنما تحصل لجوهر النفس القدسية ، وحصول تلك الحالة لجوهر النفس القدسية ، مشروط بشرائط هي فائتة في هذه [الحالة ، ولأجل فواتها لم تحصل هذه الرؤية ، وهذا محتمل ، ومع تمام هذا الاحتمال يسقط هذا (١)] الاستدلال. فهذا تمام الكلام على الحجة الأولى.
وأما الحجة الثانية : فنقول : إنا قد ذكرنا مرادنا من الرؤية ، وهي : أنها حالة. نسبتها إلى معرفة ذات الله ، كنسبة إبصار اللون المعين إلى العلم بذلك اللون المعين. وإذا ثبت هذا ، فلم قلتم : إن حصول ذلك الانكشاف مشروط بحصول المقابلة؟ بل حصول انكشاف ماهية الشيء المختص بالمكان والحيز ، مشروط بحصول المقابلة فأما حصول انكشاف ماهية الشيء المنزه عن المكان والحيز. فلم قلتم : إنه مشروط بحصول المقابلة؟ وهذا لا يمكن إثباته بحال مناسب ، فضلا عن ادعاء العلم الضروري فيه.
وأما الحجة الثالثة : وهي قوله : «رؤية الشيء لا تحصل إلا عند ارتسام صورة المرئي في حدقة الرائي» فنقول : قد ذكرنا أن الرؤية عبارة عن الكشف التام ، والتجلي التام ، وانكشاف كل حقيقة تكون على وفق تلك الحقيقة ، فإن كان ذلك الشيء موصوفا بشكل وصورة ، ولون ، كانت رؤيته حاصلة بسبب انكشاف ذلك الشكل والصورة [وإن كان ذلك الشيء منزها عن الشكل والصورة ، كان انكشافه منزها عن الشكل والصورة (٢)] وهذا هو بعينه الجواب عن الحجة الرابعة.
__________________
(١) من (و).
(٢) من (س).