فهو ظاهر. لأنا عند العلم بهذه المقدمات الأربعة ، لا نجد من أنفسنا إلا أنه شيء ما. لا نعرف أنه ما هو.؟ إلا أنه موصوف بهذه الأنواع الأربعة من الصفات. وذلك يدل على أن العلم بهذه المعلومات ، لا يوجب العلم بالذات المخصوصة.
وأما المقدمة الثالثة : فهي في بيان أنا لا نعرف من الله تعالى إلا هذه الأنواع الأربعة من المعلومات. وهي (١) من رجع إلى نفسه واعتبر حال عقله وفهمه ، علم بالضرورة أنه ليس عنده [من المعارف الإلهية إلا هذه الأنواع الأربعة ، ولما ثبت أنه ليس عنده (٢)] إلا هذه المعارف الأربعة ، وثبت أنها ليست نفس العلم بذات الله تعالى ، ولا أنها توجب العلم بذات الله ، ظهر حينئذ أن العلم بالذات المخصوصة لله تعالى غير حاصل عندنا البتة.
والحجة الثانية في إثبات هذا المطلوب : أن نقول : العلم إما تصور وإما تصديق ، والتصديق هو الحكم على أحد المتصورين ، بإثباته للمتصور الآخر ، أو سلبه عنه. وهو فرع على التصور. وأما التصورات فإنه لا يمكننا أن نتصور شيئا إلا على أحد وجوه أربعة : أحدها : التصورات التي أدركناها وتصورناها بواسطة الحواس الخمس ، مثل تصورنا لحقيقة السواد والبياض ، ومثل تصورنا لحقيقة الصوت والحرف ، وكذلك القول في سائر التصورات المستفادة من الحواس الخمسة. وثانيها : التصورات التي أدركناها من وجدانات النفوس ، مثل علمنا بحقيقة الألم واللذة والشهوة والنفرة والفرح والغم. وغيرها. وثالثها : التصورات التي ندركها بمحض العقل مثل تصوراتنا لمعنى الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والامتناع والإمكان. ورابعها : التصورات التي يركبها الخيال والعقل من تلك المدركات البسيطة. أما تركيبات الخيال فمثل إنسان له ألف رأس ، وذلك لأنا إذا أدركنا صورة [الإنسان وصورة (٣)] الرأس بحواسنا وأدركنا معنى الإنسان بعقولنا ، فالخيال يركب إنسانا له ألف
__________________
(١) زيادة
(٢) من (و).
(٣) من (و).