بعلم كل واحد من الشيئين. وهذا يقتضي كوننا عالمين بتلك الذات المخصوصة.
الحجة الرابعة : وهي أنه لا نزاع في أنا نعلم أنه ذات قائمة بالنفس.
والمعلوم بهذا العلم إما تمام تلك الذات ، وإما جزء من أجزاء ماهية تلك الذات ، وإما أمر آخر خارج عن ماهية تلك الذات. فإن كان الأول كان العلم بهذا المعنى علما بتمام الذات ، وهو المطلوب. وإن كان الثاني لزم كون تلك الذات مركبة من جزءين أو أكثر ، وكل مركب ممكن ، فتلك الذات ممكنة. هذا خلف. وإن كان الثالث لزم أن يكون كونه ذاتا ، صفة خارجة عن الذات ، فيلزم أن يقال : إن الذات ليست عبارة عن الذات ، بل عبارة عن الصفة ، التي هي أمر مغاير للذات ، فيلزم أن تكون الذات ليست ذاتا ، بل تكون شيئا غير الذات. وذلك متناقض باطل.
والجواب عن الأول والثاني : إن قولكم : إن موضوع القضية يجب كونه متصورا : منقوض بقولنا : إن ما لا يكون متصورا [لا يمكن الحكم عليه. فإن هذا الكلام قضية ، ولو كان موضوع القضية يجب أن يكون متصورا (١)] وموضوع هذه القضية هو قولنا : ما لا يكون متصورا ، فيلزم أن يكون غير المتصور متصورا ، وذلك جمع بين النقيضين. فإن قالوا : يلزم أن غير المتصور : متصورا منه كونه غير متصور. فنقول : إذا قلنا غير المتصور لا يمكن الحكم عليه ، فههنا المحكوم عليه إما غير المتصور من حيث إنه غير المتصور ، أو من حيث إنه متصور ، فإن كان الأول فحينئذ الموضوع في القضية المعلومة إما أن يكون أمرا غير متصور ، من حيث أنه غير متصور. وذلك ينقض قولكم : إن موضوع القضية يجب أن يكون متصورا. وإن كان الثاني هو أن الموضوع في هذه القضية أمر متصور ، فنقول : فحينئذ وجب أن يكذب عليه قولنا : إنه لا يمكن الحكم عليه ، لأن كل ما كان متصورا ، فإنه يمكن الحكم عليه بكونه
__________________
(١) من (و) وفي (س) : فإن قالوا : إن غير المتصور ، متصور. وذلك لأن غير المتصور ، متصور منه ، كونه غير متصور. فنقول : إذا قلنا ... الخ.