الفصل الثاني عشر
في
تنزيه ذات الله تعالى عن الكيفيات
اعلم : أنا لما دللنا على أنه سبحانه ليس بجسم ولا بجوهر كان ذلك يفيد كونه منزها عن الكمية ، ويفيد أيضا كونه منزها عن بعض أقسام الكيفيات ، وهو الشكل والخلقة. وأما سائر الكيفيات مثل الألوان والطعوم والروائح ، فالقول بإثباتها لله تعالى يستبعده العقل ، لأن هذه صفات الأجسام ، فكان إثباتها للذات المنزهة عن الجسمية محالا إلا أن لقائل أن يقول: لا يلزم من ثبوت هذه الصفات للأجسام ، امتناع ثبوتها لما لا يكون جسما ، لأن الماهيات المختلفة لا يمتنع اشتراكها في بعض الصفات.
ومن الناس من قال : إن صفات الإلهية وهي الخلق والتكوين لا تتوقف على حصول هذه الألوان والطعوم. وليس يمكن أن يقال : إن بعض أنواعها من صفات الكمال ، وأضدادها من صفات النقص ، حتى يمكن القول بأن ما كان منها من صفات الكمال فهو ثابت لله تعالى وما كان من صفات النقص فهو منفي عن الله تعالى. وإذا كان كذلك ، فلم يكن ثبوت بعض تلك الصفات لله ، أولى من ثبوت البواقي ، فإما أن يجب ثبوت كلها لله تعالى ، وحينئذ يلزم الجمع بين الضدين ، أو يجب تنزيه الله عن الكل. وذلك هو المطلوب.
ولقائل أن يقول : هذا الدليل ضعيف من وجوه :
الأول : إن كيفية النور من صفات الكمال ، والمدح. وكيفية الظلمة من