وقد يراد به الاعتقاد الذي يخالف المعتقد. وعدم هذا للعنى حاصل في الجمادات مع أنها ليست عالمة. والفريق الثاني ما وقع في السنة الفلاسفة أن معنى كون الشيء عقلا (١) ، هو كونه مجردا عن المادة.
واعلم أن هذا الكلام غير ملخص المعنى (٢). وذلك لأن معنى كون الشيء مجردا عن المادة ، هو أنه موجود قائم بنفسه غير حال في شيء من المحال. والفرق بين قولنا : إنه غير حال في شيء من المحال ، وبين قولنا : إنه عالم بالأشياء معلوم بالضرورة ، فإنه قد يمكننا أن نعتقد في كثير من الأشياء كونها ذوات قائمة بأنفسها غير حالة في شيء من المحال ، مع أنه لا يخطر ببال أحد من العقلاء أنه يلزم من كونها (كذلك ، كونها) (٣) عالمة بالأشياء. فيثبت أن هذا الكلام بعيد عن العقل.
ومما يقوي هذا الإشكال أن المادة ليست لها مادة أخرى. فالمادة ذات قائمة بنفسها مجردة عن المادة مع أنها لا تعلم شيئا. فعلمنا أن هذا الكلام خالي عن الفائدة.
والذي يمكنني تحصيله من هذا الكلام : أن يقال : مذهبهم : أن العلم عبارة عن حصول صورة المعلوم للعالم. فإذا كان الشيء قائما بغيره ، حالا في محل ، فإنه لا يكون حقيقة حاصلة لنفسها ، بل تكون حاصلة لغيرها ، فلا جرم لا يكون مثل هذا الشيء مدركا لنفسه ، ولا عالما بنفسه. أما إذا كان الشيء غنيا عن محل يحل فيه ، وكانت حقيقة حقيقته قائمة بالنفس. فإن ماهيتها لا تكون حاصلة لغيرها ، بل تكون حاصلة لنفسها ، ولما حصّلت نفسها لنفسها ، وثبت أنه لا معنى للإدراك إلّا حصول ماهية المعلوم للعالم ، ولما لزم في الشيء المجرد عن المادة أن تكون نفسها حاصلة لنفسها ، وثبت أنه متى كان الأمر كذلك ، لزم كونه مدركا لنفسه ، وعالما بنفسه ، وبهذا التأويل. قالوا :
__________________
(١) عقلا (م).
(٢) المعنى سقط (م).
(٣) من (س).