الفصل الثاني
في
حكاية دلائل المتكلمين في كونه تعالى عالما
اعلم. أن القائلين بأن العالم محدث ، وأن إله العالم قادر مختار. احتجوا بدليل الإحكام والإتقان على كونه تعالى عالما بالمعلومات. وتقريره : أن قالوا : إن أفعال الله محكمة متقنة ، وكل من كان فعله محكما متقنا وجب كونه عالما فيلزم كونه تعالى عالما بالأشياء.
فنفتقر هاهنا إلى تقرير مقدمتين :
إحداهما : قولنا : أفعال الله محكمة متقنة. والمراد من كونها محكمة متقنة : كونها موافقة لوجوه المصلحة والمنفعة. وهذا إنما يظهر ببيان حكمة الله تعالى في تخليق السموات والكواكب ، وفي تخليق العناصر الأربعة ، وفي تخليق الآثار العلوية والمعادن والنبات والحيوان والإنسان ، وأعجبها شرح (١) أبدان الناس ، ولما كان هذا الكتاب الكبير الشريف مملوءا من هذا النوع من العلوم ، لا جرم لم يكن في إيراد هذا النوع هاهنا مزيد فائدة.
وأما المقدمة الثانية : وهي قولنا : وكل من كان فعله محكما متقنا ، فإنه يجب أن يكون عالما. فتقريره بالأمثلة الكثيرة : فإن الجاهل بنسج الديباج لا يمكنه أن يأتي هذا العمل على وجه الإتقان ، والجاهل بالخط لا يمكنه أن يأتي
__________________
(١) شرح بدن الإنسان (س).