الرابع : كما أن المعلول من لوازم العلة ، فكذلك العلة أيضا من لوازم المعلول ، فلو لزم من العلم بالعلة ، العلم بالمعلول وجب أيضا أن يلزم من العلم بالمعلول العلم بالعلة ، لكنا نعلم ذواتنا المخصوصة وأحوال ذواتنا. ولا نزاع أن ذواتنا وأحوال ذواتنا ، معلولات للعلل العالية ، فلو لزم من العلم بالشيء العلم بلوازمه ، لزم أن يلزم من علمنا بذواتنا وأحوال ذواتنا ، علمنا بالعلل العالية على التفصيل التام. وحيث لم يلزم ذلك ، علمنا : أن العلم بالشيء لا يوجب العلم بلوازمه.
واعلم أنه يمكن الجواب عن هذا السؤال. فيقال : العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول. أما العلم بالمعلول ، فإنه لا يوجب العلم بالعلة. والفرق بين الصورتين : أن العلة المعينة توجب لعينها وذواتها ذلك المعلول المعين ، فلا جرم صح أن يقال : إنه يلزم من العلم بتلك العلة المعينة العلم بذلك المعلول المعين. (أما المعلول المعين) (١) فإنه إنما يفتقر لإمكانه إلى العلة. والإمكان لا يحوجه إلى تلك العلة ، وإلا لزم أن يكون كل ممكن محتاجا إلى تلك العلة المعينة بعينها. ومعلوم أن الأمر ليس كذلك ، بل الإمكان يحوجه إلى علة ما ، فأما وقوعه بتلك العلة المعينة (٢) ، فإنما كان لأجل أنه لما وجدت تلك العلة ، وأوجبته ، لا جرم استند ذلك المعلول إليه ، فيثبت أن (ذلك المعلول لا يقتضي الاحتياج إلى هذه العلة بعينها. وإنما(٣) يقتضي الاحتياج إلى مطلق العلة ، فلا جرم لم يلزم من العلم بالمعلول المعين ، العلم بعلته المعينة. وهذا فرق واضح (معقول) (٤) بين الصورتين. وبالله التوفيق (٥)
__________________
(١) من (س).
(٢) المعنية (م).
(٣) من (س).
(٤) من (س).
(٥) وبالله التوفيق.