الطريق الثاني من الطرق التي ذكرها الشيخ الرئيس (أبو علي سينا) (١) : قال : دل الدليل على أنه تعالى عالم بغيره ، وإذا كان عالما بغيره ، وجب كونه عالما بذاته.
أما الأصل الأول : وهو قولنا : إنه عالم بغيره. فالدليل عليه. هو أنه لا يمتنع أن نعلم ذات الله تعالى مع أي معلوم كان. وقد ثبت بالدليل أن العلم بالشيء لا يحصل إلا عند انطباع صورة المعلوم في العالم ، فإذا حصل العلم بذات (الله تعالى) (٢) مع العلم بغيره ، فقد حضرت هاتان الماهيتان في الذهن معا ، فحصول المقارنة بين هاتين ، الماهيتين غير ممتنع ، فإما أن تكون صحة هذه المقارنة مشروطة بكون هذه الصورة (حاضرة) (٣) في الذهن (وإما أن لا تكون. والأول باطل ، لأن حضور هذه الصورة في الذهن) (٤) مقارنة لهذه الماهية ، مع الذهن. فلو كانت صحة هذه المقارنة مشروطة (بكون هذه الصورة) (٥) حاضرة في الذهن وقد دللنا على أن حضورها في الذهن مقارنة بينها وبين الذهن لزم أن تكون صحة هذه المقارنة مشروطة بحصول هذه المقارنة (٦) ، لكن بشرط سابق على المشروط فيلزم أن يكون وقوع الشيء سابقا بالرتبة على إمكان وقوعه ، لكن الإمكان سابق على الوقوع ، فيلزم الدور وهو محال ، فيثبت بهذا الدليل : أن صحة هذه المقارنة غير مشروطة بكون هذه الصورة (حاضرة) (٧) في الذهن ، وإذا كان الأمر كذلك فسواء حضرت تلك الماهية في الذهن أو في الخارج ، وجب أن يصح عليها هذه المقارنة ، فكما أن الصورة المعقولة من ذات الله تعالى كان يجوز أن تقارنها صور
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (م ، س).
(٤) من (م ، س).
(٥) هذه الصورة (س).
(٦) هذه المقارنة مشروطة بحصول : سقط (م).
(٧) من (م).