العلم الأول باقي. ومنهم من التزم التغير. وقال : العلم الأول غير باقي أما الفريق الأول. فقالوا : إن العلم بأن الشيء سيحدث هو نفس العلم بحدوثه إذا حدث ؛ فالعلم باقي والتغير واقع في المعلوم.
واحتجوا على صحة قولهم بوجوه :
الأول : إنه تعالى يعلم بالعلم الواحد (١) جميع المعلومات. فلما لم يلزم من تكثر تلك المعلومات تكثر العلم. وجب أن لا يلزم أيضا من تغير المعلومات تغير العلم.
والثاني : إن العلم صفة ينكشف بها المعلومات كما هي. ونذكر لهذا المعنى مثالا. فنقول : إنا إذا فرضنا مرآة منصوبة على الجدار ، فكل من مرّ بتلك المرآة انكشفت صورته فيها. فعند مرور الناس على تلك المرآة لا يزال ينكشف فيها صورة بعد صورة (٢) إلا أن المرآة لم تتغير عن حالها. بل التغير إنما وقع في الناس الذين يمرون عليها (٣) إذا عرفت هذا فنقول : العلم صفة متهيئة لإدراك ما يعرض عليها ، فتلك الصفة باقية بحالها ، والتغير واقع في المعلومات (٤).
الوجه الثالث : قالوا : إذا فرضنا أن إنسانا اعتقد أن زيدا يدخل الدار غدا ، وفرضنا ذلك الاعتقاد إلى أن دخل زيد البلد ، فإن تعين ذلك الاعتقاد (٥) ، يصير معتقدا لكون زيد داخلا في البلد في هذه الساعة. فيثبت بما ذكرنا أن العلم بأن الشيء سيوجد نفس (٦) العلم بوجوده إذا وجد.
والرابع : هو أن العلم صفة حقيقة قائمة بذات العالم وتعلقه بالمعلوم
__________________
(١) لو قال يعلم بعلمه لكان أفضل. فإن الواحد يفيد أنه يعلم بعلم ثان وثالث.
(٢) غير صورة (س).
(٣) هل معنى ذلك أن الله لا يتأثر بمرور المعلومات كما لا تتأثر المرآة؟ التشبيه في غير موضعه.
(٤) المعلومات (س).
(٥) لو قال فإن فرض ذلك الاعتقاد لكان أفضل.
(٦) نفس (س) تعين (م).