الحجة الثانية : في بيان العلم بأن الشيء سيوجد ليس نفس العلم بوجوده إذا وجد : هو أنا نقول : من البين في بديهة العقل أن حقائق الأشياء لا تنقلب ، فالسواد لا ينقلب بياضا ، والعلم لا ينقلب ضده (١). إذا عرفت هذا. فنقول : العلم بأن الشيء سيوجد ماهية مخالفة لماهية بأن الشيء موجود في الحال. والدليل عليه هو أنه ، يمتنع قيام كل واحد منهما مقام (٢) الآخر. وذلك لأن قبل وجود الشيء لو اعتقد فيه كونه موجود ، وأنه سيوجد ، لكان ذلك جهلا (عند وجوده. ولو اعتقد فيه أنه غير موجود ، وأنه سيوجد ، لكان ذلك جهلا) (٣) فيثبت أن ماهية كل واحد من هذين العلمين مخالفة لماهية العلم الآخر. وإذا ثبت هذا فنقول : قد بينا أن الماهيات والحقائق يمتنع عليها الانقلاب والتغير ، فوجب أن يمتنع أن يصير أحد العلمين نفس العلم الثاني ، فيثبت أن العلم بأن الشيء سيوجد ، يمتنع أن يكون نفس العلم بوجوده إذا وجد.
الحجة الثالثة : أن نقول : من البين في بديهة العقل : (أن الشيء الذي يكون مشروطا بشرط ، فإنه يكون مغايرا للشيء الذي لا يكون مشروطا بذلك الشرط. بل نقول) (٤) : إن الشيء الذي هو موجود في الحال ، مغاير للشيء الذي هو غير موجود في الحال ، بل سيوجد بعد ذلك. وإذا عرفت هذا فنقول : العلم بأن الشيء سيوجد غير مشروط بكون ذلك الشيء موجودا في الحال ، بل يكون ذلك منافيا له ، وأما العلم بأنه موجود في الحال ، فإنه مشروط بكون ذلك الشيء موجودا في الحال ، فوجب الجزم بكون أحد العلمين مغاير للآخر. بل نقول : إن العلم بأن الشيء سيوجد حاصل في الحال ، ولا يبقى عند وجوده. والعلم بأنه غير موجود غير حاصل (٥) في الحال ، وسيوجد عند وجوده ، فهذان العلمان كالمتنافيين المتضادين ، فالقول بأن أحدهما عين
__________________
(١) قدرة (س).
(٢) هذا ليس له محل ، وذاك ليس له محل.
(٣) من (م).
(٤) من (س).
(٥) غير حاضر (س).