في الوجود يمنع من تلك القدرة ، فكان القول به باطلا.
الحجة الثانية : قالوا الشيء قبل دخوله في الوجود عدم محض ونفي صرف ، والعدم المحض يمتنع أن يحصل فيه الامتياز والاختصاص (بالصفة والخاصية ، وكل معلوم فإنه لا بد وأن يكون متميزا عن غيره ، وأن يكون موصوفا بصفات) (١) وخواص لأجلها يحصل ذلك الامتياز. وهذا القياس ينتج أن المعدوم يمتنع كونه معلوما ، ولا يقال : إنا إذا قلنا : الماهيات متقررة حال العدم ، فقد زال هذا السؤال. لأنا نقول : هذا لا يفيد المطلوب. وذلك لأن القائلين بأن المعدوم شيء ، لا يقولون : إن تلك الذوات المعدومة تكون مؤلفة مركبة موصوفة بالشكل واللون والحصول في الحيز (٢) ، فيلزمكم أن تقولوا : إنه تعالى لا يعلم كون الذوات موصوفة بهذه الصفات ، إلا عند دخولها في الوجود ، وأنتم لا تقولون به ، وإذا جاز أن تقولوا : إنه تعالى يعلم كون هذه الذوات موصوفة بهذه الصفات. مع أن هذا غير حاصل في العدم ، فلم لا يجوز أن يقال أيضا : إنه تعالى يعلم بالماهيات قبل حصولها. مع أنها لا تكون حاصلة في العدم؟
الحجة الثالثة : أن نقول : قد بينا أنه لا معنى للعلم إلا أنه نسبة مخصوصة وإضافة مخصوصة تحصل بين العالم وبين المعلوم ، وحصول الإضافة بين الأمرين مسبوقة بتقرير كل واحد منهما ، فوجب أن يكون العلم بالمعلوم مسبوقا بتقرير ذلك المعلوم في نفسه ، لكن المعلوم إذا كان معدوما فهو إنما ينتقل إلى الوجود بتأثير القدرة فيه ، فيكون حصوله متأخرا عن تأثير القدرة فيه ، الذي هو مشروط بكونه عالما به. فيلزم وقوع الدور وهو محال.
واحتج من طعن في كونه تعالى عالما بكل ما يصح أن يكون معلوما بوجوه : الحجة الأولى : قالوا : لو كان الأمر كذلك لوجوب كونه تعالى عالما بما لا
__________________
(١) من (م).
(٢) فى (س) تصحيف.