نهاية له من المعلومات ، فإذا اعتبرنا علمه بمعلوم واحد ، نقول : إنه يصح أن يعلم كونه عالما بذلك المعلوم ويصح أيضا أن يعلم كونه عالما بكونه عالما به ، وهكذا في سائر المراتب التي لا نهاية لها ، فلو وجب أن يعلم كل ما يصح أن يكون معلوما في نفسه لحصل في علمه بذلك المعلوم الواحد مراتب لا نهاية لها في العلوم (١) وتكون كل مرتبة أخيرة منها مفرعة على المرتبة المتقدمة ، فيلزم حصول علل ومعلومات لا نهاية لها دفعة واحدة. وذلك باطل.
لا يقال هذا بناء على أن العلم بالعلم بالشيء ، مغاير للعلم بالشيء ، فما الدليل على أن الأمر كذلك؟ ثم نقول : المعلوم لا يكون علة لحصول العلم به ، فلم يلزم من حصول هذا المعلوم حصول علل ومعلولات غير متناهية؟ ونجيب عن الأول فنقول : الذي يدل على أن العلم بالعلم بالشيء مغاير للشيء وجوه : الأول : إن المعلوم مغاير للعلم (فوجب أن يكون العلم بأحدهما مغاير للعلم) (٢) بالآخر. والثاني : إنه يمكننا أن نعلم الشيء حال ما نكون غافلين عن العلم بالعلم به ، والموجود مغاير للمعدوم. فوجب أن يكون العلم بالشيء مغاير للعلم بالعلم به (٣).
الثالث : وهو أنه لو كان العلم بالشيء نفس العلم بالعلم به ، فيلزم أن تكون هذه المرتبة الثالثة (٤) نفس المرتبة الثالثة ، وكذا القول في سائر المراتب. فعند العلم بالشيء ، يلزم أن تكون كل المراتب حاضرة بالفعل ، ولما علمنا بالضرورة أنه ليس الأمر كذلك علمنا أن العلم بالعلم بالشيء مغاير للعلم بذلك الشيء.
وأما السؤال الثاني : وهو قوله : المعلوم لا يكون علة للعلم به (٥) ، فلم
__________________
(١) العلوم (م).
(٢) من (م).
(٣) بالعلم (م).
(٤) الثانية (م).
(٥) به (م).