الفصل الأول
في
البحث عن حقيقة الإرادة
(وفي هذا البحث مسائل :
المسألة الأولى) (١) : قالت الفلاسفة : إنا نجد من أنفسنا : أنا إذا تصورنا : أن لنا في الفعل الفلاني منفعة خالصة أو راجحة ، حصل في نفوسنا ميل إلى تحصيل تلك المنافع ، إذا تصورنا : أن لنا في الفعل الآخر مضرة خالصة ، أو راجحة حصل في نفوسنا ميل إلى الدفع والمنع. ونحن سمينا الميل إلى الجذب والتحصيل بالإرادة ، وسمينا الميل إلى الدفع والمنع بالكراهية. وهذا القدر معلوم ، فإن كان المراد من الإرادة والكراهية هذا ، فهذا ممتنع الثبوت في حق الله تعالى ، لأن هذا إنما يعقل ثبوته في حق من يصح عليه اللذة والألم والمنفعة والمضرة ، وذلك في حق الله تعالى محال ، فكان إثبات الرغبة في جلب المنافع والنفرة عن وصول المضار في حق الله تعالى محالا. وهذا إذا أريد بالإرادة والكراهية هذا المعنى وأما ، إذا أريد بهما معنى آخر فلا بد فيه من إفادة تصوره ، لننظر فيه أنه هل يصح ذلك في حق الله تعالى أم لا؟ قال المتكلمون : الإرادة صفة تقتضي ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر من غير وجوب ، ومن غير تكوين. هذا هو المراد من صفة الإرادة. والذي يدل على أن هذه الصفة موجودة أمران :
__________________
(١) زيادة.