القلب. فإذا سخن ذلك النسيم احتاج إلى إخراجه من الصدر ، وذلك الإخراج سبب لحدوث الصوت ، وذلك الصوت يمكن تقطيعه في المخارج المختلفة والمجالس المتباينة ، ويحدث لتلك الأصوات بسبب قطعها في تلك المخارج والمجالس هيئات مختلفة ـ هي الحروف ـ فإذا ركبت تلك الحروف الكثيرة حدثت أصناف كثيرة من الألفاظ ، يمكن تطبق كل واحد منها على نوع من أنواع الماهيات ، وبهذا الطريق يمكن تعريف المعاني التي لا نهاية لها بخلاف سائر الأفعال ، فإنه يقف (١) تركيبها على هذه الوجوه الكثيرة.
والثاني : إن هذه الأصوات كما توجد ، تنقص ، وتعدم فهي موجودة حال الاحتياج إليها ، ومعدومة حال الاستغناء عنها ، وأما سائر الأشياء فقد لا تكون كذلك.
والثالث : إن الاتيان بهذه الأصوات جاري مجرى الإتيان بالأمر الطبيعي ، بخلاف سائر الأعمال ، بهذا الطريق صار التعبير عن المعاني الحاضرة في القلوب والضمائر ، بهذه العبارات والألفاظ ، أولى من التعبير عنها بسائر الطرق. فظهر أن المتكلم عبارة عن فاعل الكلام. لأن المقصود من الكلام : أن يأتي الإنسان بعمل اصطلحوا على أنه متى أتى به ، فإنه يدل على أنه قام بقلبه (ميل إلى شيء ، أو نفرة عن شيء. ثم اصطلحوا على جعل ذلك الدليل هو هذه الألفاظ. وهذا كلام (٢) معقول ، لا مجال للنزاع فيه.
المسألة الثانية : في إثبات كونه تعالى متكلما :
اعلم أن هذا يتفرع على كونه تعالى فاعلا مختارا ، وعلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.
ثبت أنه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها ، فإذا خلق أصواتا في جسم مخصوص تدل تلك
__________________
(١) يعتبر (م).
(٢) من (م).