الفصل الرابع
في
تحقيق الكلام في المنفعة والمضرّة
والخير والشر والمصلحة والمفسدة
اعلم. أنا لما ذكرنا : أن الداعي عبارة عن العلم أو الاعتقاد أو الظن بكون الفعل مشتملا على نفع زائد ، والصارف هو هذه الأشياء ، إذا كانت متعلقة باشتمال الفعل على ضرر زائد. وجب علينا أن نبحث في هذا المقام عن حقيقة المنفعة والمضرة.
فنقول : لا شك أن هاهنا شيئا يميل الطبع إليه وتحكم أصل الفطرة بالرغبة في تحصيله ، وإن هاهنا شيئا آخر يحكم صريح الفطرة (١) بالنفرة عنه والهرب منه. إذا عرفت هذا فنقول: لا يجوز أن يقال : إن كل شيء يراد تحصيله (فإنما يراد تحصيله) (٢) لأجل شيء آخر ، (وكل شيء أريد دفعه فإنما أريد دفعه لأجل أن يتوسل بدفعه إلى دفع شيء آخر (٣) وإلا لزم إما الدور وإما التسلسل بل لا بد من الاعتراف (٤) بوجود أشياء تكون مطلوبة لذواتها وأعيانها ، ولا بد من الاعتراف بوجود أشياء مهروبة عنها لذواتها وأعيانها ثم إذا تأملنا ورجعنا إلى أنفسنا علمنا أن الشيء الذي يكون مطلوب الحصول لذاته
__________________
(١) العقل (س).
(٢) من (س).
(٣) من (م).
(٤) الاعتراف (م).