الفصل التاسع
في
ذكر أنواع أخر من الدلائل على فساد القول
بتحسين العقل وتقبيحه في أفعال الله وفي أحكامه
فالحجة الأولى (١) : أن نقول : لو جرى حكم تحسين العقل وتقبيحه في أفعال الله ، وفي أحكامه لقبح منه تكليف من علم أنه يكفر. وهذا باطل فذاك باطل.
بين الملازمة : إنا لا ندعي هاهنا أن صدور الإيمان منه ممتنع ، إلا أنا نقول : إن هذا التكليف قبيح في الشاهد. وبيان ذلك بأمثلة :
المثال الأول : أن من بنى رباطا في مفازة مهلكة ، وعلم علما يقينا لا ريب فيه أنه متى بنى ذلك الرباط ، فإن اللصوص وقطاع الطريق يتخذون قلعة حصينة لأنفسهم ويعظم ضررهم على الناس ، ويتعذر بسبب ذلك الرباط قهرهم ومنعهم. ثم إنه مع هذا اليقين يبني ذلك الرباط ويقول : ما أردت منه إلا أن يجتمع أولئك اللصوص فيه ، ويتركون اللصوصية ويؤمنون الطرقات ، ويعينون القوافل على ما لهم من المهمات والخيرات ، فكل من اعتقد فيه أنه مع ذلك اليقين بنى ذلك الرباط قضى عليه بكونه ساعيا في فتح باب الآفات ، والمخافات ويكذبونه في قوله : إني ما قصدت إلا الخير والنفع فكذا هاهنا.
المثال الثاني : كل من جمع بين عبيده وإمائه ، وزين البعض في عين
__________________
(١) في الأصل : الفصل الثاني والعشرون.