والشرط الرابع : أن يعلم ذلك الأب أن النفع الواصل إلى المصلحين أكثر من الضرر الواصل إلى المفسدين ، فإن ترجيح الجانب الأغلب هو الواجب في العقول. وهاهنا الفائدة في الخلق وفي التكليف وجدان اللذة ، ومعلوم أنه ليس في فواتها ضرر ، بدليل (١) أنه في حاله العدم كانت هذه اللذة فائتة مع أنه لا ضرر. وأما المضار الناشئة من الخلق والتكليف فهي العذاب (٢) الدائم. ومعلوم أن هذه المضرة أعظم من تلك المنفعة ، فكان الواجب في حكم تحسين العقل وتقبيحه ترك الخلق والتكليف لئلا تلزم هذه المضار العظيمة.
الشرط الخامس : أن يكون المصلحون أكثر عددا من المفسدين ، فإنه لو كان الأمر بالضد لما جاز ، ومعلوم أن الكفار أكثر عددا من المسلمين ، والفساق من المسلمين أكثر عددا من الصالحين منهم ، فيثبت بما ذكرنا : أن المثال الذي يذكره المعتزلة إنما يحس لهذه الشرائط الخمسة.
والكل ثابت في مسألتنا ، فيثبت أنه لو كان تحسين العقل وتقبيحه جاريا في أفعال الله ، وفي أحكامه لوجب القطع بقبح تكليف من علم الله أنه يكفر.
واعلم أن حاصل الجواب عنه يرجع إلى طريقين :
الطريق الأول : وعليه اعتماد جمهور المعتزلة في هذه المضايق أن قالوا : الخلق والتكليف (٣) (كما حصلا في حق من كفر ، فكذلك حصلا في حق من أطاع. وذلك يدل على أن الخلق والتكليف) (٤) ليسا سببين لحصول الكفر والمعصية. إذا ثبت هذا فنقول : كل ما صدر عن الله تعالى من الخلق والتكليف فإنه محض الإحسان ، لأنه تعالى أقدر الكافر على الإيمان ، وأزاح أعذاره وعلله ، وكان هذا التكليف تعريضا منه تعالى للكافر لأعظم المنافع. أما وقوعه في الكفر فليس ذلك من الله تعالى ، بل كان من قبل نفسه. فلهذا
__________________
(١) بدليل أن (م).
(٢) العدل (س).
(٣) والتكوين (س).
(٤) من (م).