أما الجواب عن الحجة الأولى : هو أن يقال : ما المراد من قولكم : إن القادر يجب أن يصح صدور الفعل منه؟
إن أردتم به : أن القادر هو الذي يصح صدور الفعل عنه بمجرد كونه قادرا ، فهذا عين ما وقع النزاع فيه. فإن عندنا مجرد كونه قادرا لا يكفي في صحة صدور الفعل عنه ، بل ما لم ينضم إليه الداعي ، فإنه يمتنع صدور الفعل عنه ، فقولكم : بأن مجرد كونه قادرا ، يكفي في صحة صدور الفعل عنه عين محل النزاع. وإن أردتم به : أن القادر هو الذي لا يصح (١) صدور الفعل منه عند انضمام الداعي إليه ، فهذا مسلم ، إلا أن هذا القدر لا يدل على أن مجرد كونه قادرا يكفي في صحة صدور الفعل عنه ، فيثبت أن هذا الكلام مغالطة محضة.
ومما يقوي هذا الكلام : أنا نقول : لا شك أن الجائز هو الذي يصح وجوده بدلا عن العدم ويصح عدمه بدلا عن الوجود ، ولما استوى وجب الافتقار إلى المخصص فيقال : لما سلمتم أن الجائز يصح عليه الطرفان. فإنه نظرا إلى ذاته ، وعند فرض تلك الماهية خالية عن المؤثر ، وجب أن يصح رجحان وجوده على عدمه ، إذ لو لم يصح هذا الرجحان لقدح ذلك في قولنا : إنه من حيث هو هو يصح عليه كل واحد من الطرفين ، ولما ثبت صحة (٢) حصول هذا الرجحان ، حال عدم المؤثر المنفصل ، علمنا : أن حصول هذا الرجحان ، لا يتوقف على وجود المؤثر المنفصل ، وكما أن هذا الكلام باطل ، فكذلك الكلام (٣) الذي ذكرتموه يجب أن يكون باطلا.
وأما الجواب (٤) عن الحجة الثانية : وهي قولهم : إن من يكون مستغرق الفكر في مهم من المهمات.
__________________
(١) لا يصح (س).
(٢) صحة (م).
(٣) إنها الكلام (م).
(٤) أنها الحجة الثانية (م ، س).