الفصل الثامن
في
بيان أن عند حصول الداعي يجب صدور
الفعل ولا يبقى الجواز البتة
اعلم. أن من الناس من قال : إن عند حصول الداعي يصير الفعل أولى بالوقوع. لكنه لا ينهي تلك الأولوية إلى حد الوجوب. واعلم أن هذا القول باطل. ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : إن الفعل والترك قبل حصول الداعي كانا في حد التساوي. وقد بينا أنه ما دام هذا الاستواء يكون باقيا ، فإنه يمتنع حصول الفعل فإذا حصلت الداعية الموجبة لرجحان أحد الطرفين ، فعند هذه الحالة صار الطرف الثاني مرجوحا. والمرجوح أضعف حالا من المتساوي ، ولما كان عند حصول الاستواء : ممتنع الحصول ، مستحيل الوقوع ، فعند حصول المرجوحية كان أولى بالامتناع. وإذا صار أحد الطرفين ممتنع الوقوع ، صار الطرف الآخر واجب الوقوع. ضرورة أن الخروج من طرف النقيضين محال ، فيثبت بهذا البرهان. أن الفعل يصير واجب الوقوع عند حصول الداعي.
فإن قيل : إنه إذا حصلت الداعية المرجحة لجانب وجود الفعل ، صار جانب وجوده راجحا. وهذا لا يقتضي ضرورة جانب العدم مرجوحا ، لأن ذلك العدم عدم باقي مستمر (والعدم الباقي المستمر لا يكون التأثير فيه حال بقائه على ذلك العدم المستمر ، فيثبت أن العدم الأصلي نفي) (١) كما كان حال
__________________
(١) من (م).