الفصل العاشر
في
تحقيق الكلام في تقسيم الدواعي إلى ما يكون
داعية الحاجة. وإلى ما يكون داعية الإحسان
(الداعية : إما تكون داعية الحاجة. وإما أن تكون داعية الإحسان) (١).
واعلم. أن هذا التقسيم هو اللائق بأصول المعتزلة. وعليه فرعوا كثيرا من مباحثهم في علوم الإلهيات. ونقول : قد بينا أنه لا معنى للحكمة والمصلحة والخير إلا اللذة والسرور ، أو ما يكون مؤديا (٢) إليهما ، أو إلى أحدهما. ونقول : العلم بكون الفعل منفعة إما أن يدعوه إلى إيصال تلك المنفعة إلى نفسه أو إلى غيره ، والأول : هو داعية الحاجة. والثاني هو داعية الإحسان ، فههنا الداعي للفاعل إلى فعله مجرد كونه في نفسه حسنا ، ويكون الداعي له إلى تركه مجرد كونه قبيحا. فداعي الحاجة : اعتبار صفة الفاعل ، وهي كونه محتاجا إلى ذلك الشيء. وأما داعية الحكمة : فهي اعتبار صفة الفعل لا اعتبار صفة الفاعل. وأعني باعتبار صفة الفعل ، كونه في نفسه حسنا ، أو كونه قبيحا.
ثم قالوا : وحكم هذين القسمين مختلف لأن قبحه يدعوه إلى الترك على سبيل الجزم. ولا يجوز خلافه. وأما حسنه فيدعو إلى الفعل من غير وجوب. ثم إن انصاف إلى حسنه وجه يقتضي أن يكون فعله أولى من تركه صار هذا الداعي أقوى لكنه لا يبلغ مبلغ الوجوب. فإن انضاف إليه ما يقتضي الوجوب
__________________
(١) من (م).
(٢) مؤديا (م). مفضيا (س).