المقدمة الثانية
في
تفسير الحدوث
نقول : لا شك أنه لا يمكن تفسير المحدث ، إلا بأنه الذي سبقه غيره. ثم إما أن يكون [ذلك (١)] السابق عدما أو وجودا ، فإن كان عدما فحينئذ يقال : إن المحدث هو الذي [يكون وجوده مسبوقا بالعدم ، وإن كان ذلك السابق وجودا فحينئذ يقال : إن المحدث هو الذي (٢)] سبقه وجود شيء آخر ، والتفسير الأول أولى ، لأن المحدث من حيث إنه محدث [يجب (٣)] أن يكون وجوده مسبوقا بعدمه ، ولا يجب من حيث هو محدث أن يكون وجوده مسبوقا بوجود غيره ، لأنه ما لم يثبت بالدليل أن المحدث يمتنع أن يحدث إلا لمحدث وموجود ، فإنه لا يثبت أن المحدث لا بد وأن يكون مسبوقا بوجود غيره. أما سواء قلنا : إن المحدث يحدث لنفسه أو لغيره ، أولا لنفسه ولا لغيره ، فإنه يجب أن يكون مسبوقا بالعدم. فيثبت : أن التفسير المحدث بأنه الذي يجب أن يكون مسبوقا بالعدم أولى من تفسيره بأنه الذي يجب أن يكون مسبوقا بغيره ، وإذا عرفت هذا فنقول : قد عرفت في كتاب : أحكام الموجودات : أن السبق والتقدم على أقسام خمسة : أحدها : التقدم بالعلية. وثانيها : بالذات. وثالثها : بالشرف. ورابعها : بالمكان. وخامسها : بالزمان.
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط ، س)