وإذا ثبت هذا فنقول : إن كان المراد بكون العدم سابقا على وجود (١) التقدم بالعلية فهذا محال : لأن العدم لا يكون علة للوجود.
وإن كان المراد به التقدم بالذات ، فهذا مسلّم. لأن العالم عندنا ممكن ، والممكن ليس له من ذاته إلا عدم الاستحقاق ، وله من غيره ثبوت الاستحقاق. وما له من ذاته ، سابق على ما له من غيره ، سبقا بالذات ، وأما التقدم : بالشرف والمكان ، فظاهر الامتناع. بقي التقدم بالزمان [فنقول : التقدم بالزمان (٢)] لا يحصل إلا مع حصول الزمان ، فإذا كان تقدم عدم العالم على وجوده ، تقدما لا أول له ، وثبت أن هذا التقدم ليس إلا بالزمان ، وثبت أن التقدم بالزمان لا يحصل إلا مع حصول الزمان ، فهذا يقتضي قدم الزمان. ثم ثبت في الطبيعيات : أن الزمان من لواحق الحركة ، التي هي من لواحق الحسم ، فيلزم من قدم الزمان قدم الجسم. فيثبت : أن تفسير حدوث الأجسام بما ذكرتموه يوجب القول بقدم الأجسام ، فكان ما ذكرتموه من التفسير باطلا. هذا إذا فسرتم أن المحدث بأنه الذي يكون مسبوقا بالعدم. أما إذا فسرتموه بأنه الذي يكون مسبوقا بوجود غيره ، فنقول : إن أردتم به السبق بالعلية أو بالذات أو بالشرف ، فالكل مسلم. لأن عندنا العالم ممكن لذاته ، واجب لوجوب (٣) علته ، فتكون تلك العلة سابقة على العالم بالعلية وبالذات وبالشرف. وأما بالمكان فباطل بالاتفاق ، وبتقدير ثبوته ، فإنه لا ينافي القول بقدم العالم ، لأنه لا يمتنع في أول العقل (٤) وجود موجود فوق هذا العالم بالمكان ، ويكون دائم الوجود مع دوام هذا العالم. بقي السبق بالزمان فيعود ما ذكرناه من أنه [لما (٥)] كان سابقا على العالم بالزمان ، وكان سبقه على العالم سبقا لا أول له ، فحينئذ يلزم الاعتراف بأن الزمان لا أول لوجوده ، وحينئذ يلزم المحال المذكور.
__________________
(١) الوجود (ت ، ط).
(٢) سقط (ت).
(٣) يوجب (ت).
(٤) الفعل (ت).
(٥) من (ط ، س).