مجموع تلك الأمور أزليا ، يلزم أن تكون الآثار الصادرة عن البارئ أزلية ، وعلى هذا التقدير، فهذا الكلام هو عين الحجة الأولى.
ويمكن تقريره من وجه آخر : فيقال : إنه تعالى أراد إيجاد العالم ، لداعية (١) الانتفاع ، أو لداعية الإضرار ، أو لا لواحدة من هاتين الداعيتين؟ والثاني محال ، لأن الإيجاد (٢) لداعية الإضرار ، لا يليق بالمحسن الرحيم. والثالث : وهو [أن] (٣) الإيجاد لا لداعية الانتفاع (٤) ولا لداعية الإضرار عبث ، ولما بطل هذان القسمان ، ثبت أنه تعالى خلق الخلق لداعية الانتفاع. ثم نقول : هذه الداعية ، إما أن تكون حادثة ، أو قديمة. فإن كانت حادثة عاد التقسيم المذكور في حدوثها ، وإن كانت قديمة. فإما أن يقال : حصل في الأزل مانع يمنع من صدور هذا الأثر ، أو لم يحصل. والأول باطل ، لأنه لو حصل لما زال [المانع] (٥) لما (٦) ثبت أن الأزلي لا يزول. فيثبت : أن الداعي إلى الإحسان ، كان حاصلا في الأزل ، وأن المانع منه ، كان مفقودا. فهذا هو المراد من قول القدماء : إن علة وجود العالم هي وجود البارئ ، ووجوده [أزلي] (٧) ، فيكون وجود العالم : أزليا.
الحجة الرابعة : أن نقول : لو قلنا : إنه تعالى أحدث العالم في وقت معين ، لكان تخصيص الإحداث بذلك الوقت ، إما أن يكون لحكمة ومصلحة ، أو لا لحكمة ومصلحة، والأول باطل. لأن تلك المصلحة ، إما أن تكون عائدة إلى الخالق ، أو إلى المخلوق والأول : محال. لوجوه :
الأول : أنه يلزم أن يقال : إنه تعالى في محل النفع والضرر.
__________________
(١) الداعية الانفاع (ت)
(٢) لأن إيجاده لداعية (ت)
(٣) من (س)
(٤) من (ط)
(٥) من (ت)
(٦) من (ط ، س)
(٧) من (س)