الوجه الثاني في إبطال هذا القسم (١) : أن الذات (٢) ما لم تكن مشتهية للشيء ومحتاجا إليه ، لم يكن إيصال ذلك الشيء إليه انفاعا له ، ولا إحسانا [إليه] (٣) فكل ما يفرض إحسانا إليه ، فإنه قد تقدمه (٤) خلق الحاجة فيه ، وذلك ضرر. وحينئذ يتقابل قدر المنفعة الحاضرة ، بقدر المضرة السابقة وذلك يخرجه عن كونه إحسانا. وقد تقدم في الكتاب (٥) الثالث تقرير هذا الكلام على سبيل الاستقصاء.
الوجه الثالث : في بيان أنه لا يجوز أن يقال : إنه تعالى خلق الخلق للإحسان إلى المخلوقات (٦). وذلك [لأن] (٧) هذا الداعي إما أن يقال : إنه كان حاصلا في الأزل ، أو ما كان حاصلا. فإن كان الأول ، لزم حصول الإيجاد قبل حصوله ، وهو محال. والثاني يوجب كون تلك الداعية متجددة. والكلام في اختصاص حدوث تلك الداعية بذلك الوقت ، كاختصاص حدوث العالم بذلك الوقت ، ولزم الدور (٨) إلى ما لا نهاية له.
وأما الأجوبة المذكورة عن هذا الكلام ، وهو أنه تعالى إنما خصص إحداث العالم بذلك الوقت ، لاشتمال ذلك الوقت على مصلحة معينة ، فالكلام في إفساده قد سبق على الاستقصاء.
الوجه الرابع : وهو [أن] (٩) إيصال النفع إلى الغير ، وعدم إيصاله إليه ، إما أن يكون بالنسبة إلى الفاعل على السوية ، أو لا يكون الأمر كذلك. فإن كان الأول ، امتنع أن يكون غرض الاحسان داعيا للفاعل إلى الإيجاد ،
__________________
(١) القسم الثالث (ت)
(٢) اللذات (ت)
(٣) من (ط)
(٤) يتقدمه (ت)
(٥) الباب (ط ،)
(٦) المخلوق (ت)
(٧) من ط ، س)
(٨) المرور (ط ، س)
(٩) وهو اتصال (ت)