فالأكثرون وهم الكفار والفساق من أهل الملة يقعون في العذاب العظيم (١) وإله العالم كان عالما في الأزل بكل هذه الأحوال ، فكيف يعقل أن يقال : إنه تعالى خلقهم للإحسان ، مع أنه كان يعلم أن الأكثرين منهم ، يكونون في الدنيا في الألم والفقر ، والعمى. وفي الآخرة في الدرك الأسفل من النار؟
فإن قالوا : إنه تعالى مكن (٢) الكل من وجدان تلك السعادات العظيمة ، وأما حصول الحرمان ، فإنما كان لأجل [أنهم] (٣) قصروا في حق أنفسهم. قلنا (٤) لما كان إله العالم عالما يقينا : أنهم لا يستفيدون من [الوجود] (٥) والتكلف ، إلا البلاء العظيم ، والشقاء التام. امتنع أن يقال : إنه تعالى أراد بهم الخير والنفع ، والصلاح. ويدل [عليه وجوه] (٦)
الأول : إنهم لا يقدرون على خلاف معلوم الله ، وإلا لزم أن يقال : إنهم قادرون على أن يجعلوا علم الله [تعالى] (٧) جهلا.
الثاني : إنا نعلم من بنى رباطا في مفازة عظيمة ، وعلم يقينا أنه بنى ذلك الرباط ، صار ذلك الرباط مأوى اللصوص والقتالين وقطاع الطريق. ثم إن الذي بنى ذلك الرباط مع جزمه بأن الأمر كذلك ، يقول : كان غرضي منه : دفع الشر ، وأن يصير ذلك الموضع مجمعا للأولياء والأتقياء ، ولأقوام يسعون في أمن الطرقات ، وإزالة الآفات ، فإن جميع العقلاء يقولون ، لما كنت عالما بأن بناءه يوجب مزيد الآفات ، فإنك (٨) في دعواك : أنك ما أردت به : إلا الخير : كذاب مزور. وهذا الباب فيه إطناب ، وقد سبق ذكره في الكلام على الحسن والقبح مع المعتزلة.
__________________
(١) الألبيم (ط)
(٢) يمكن (ت)
(٣) من (ط)
(٤) قلت (ط)
(٥) من (ط ، س)
(٦) سقط (ت)
(٧) من (ت)
(٨) فأنت (ط)