والوجه الثالث : في دفع [هذا] (١) السؤال : أن القدرة الصالحة للكفران ، كانت متعينة للكفر ، فحينئذ يكون خلق تلك القدرة في الكافر ، إلجاء له إلى الكفر ، وإن كانت صالحة للإيمان والكفر معا ، فرجحان أحد الجانبين على الآخر ، إن لم يتوقف على المرجح ، لزم حصول الرجحان لا لمرجح ، وهو محال.
وإن توقف على المرجح ، فذلك المرجح إن كان من العبد ، عاد التقسيم فيه. ولزم التسلسل. وإن كان من الله ، فحينئذ يكون مجموع القدرة مع (٢) ذلك المرجح موجبا للكفر ، فيعود ما ذكرنا من (٣) أن الله تعالى ألجأ الكافر ، إلى الكفر. وذلك يبطل قولهم : أنه تعالى ما أراد به إلا الخير والصلاح. فيثبت بهذه الوجوه : أنه يمتنع أن يقال : إنه تعالى خلق الخلق لغرض نفسه ، أو يقال : إنه خلقهم لغرض يعود إليهم.
وأما القسم الثالث ، وهو أن يقال : إنه تعالى خلقهم لا لغرض وحكمة أصلا. فنقول : هذا أيضا : باطل لوجوه :
الأول : إن الفعل الخالي عن الحكمة : سفاهة ، وهي غير لائقة بالحكيم الرحيم.
والثاني : إنه لم يمتنع ذلك ، فحينئذ لا يقبح من الله تعالى شيء أصلا ، فوجب أن يحسن منه أن يعاقب الأنبياء والرسل [بأعظم] (٤) أنواع العقاب ، وأن يحسن منه إدخال الدهرية في أعلى درجات الجنة ، وأن لا يحصل الوثوق بوعده ووعيده ، وأن لا تتميز طاعته عن معصيته. وكل ذلك يبطل [الحكمة] (٥) الإلهية. فيثبت : أنه تعالى لو كان محدثا للعالم ، بعد أن لم يكن
__________________
(١) سقط (ط)
(٢) من (ت)
(٣) ما ذكرناه أنه تعالى (ت)
(٤) (س)
(٥) من (ت)