وأجيب عن هذا السؤال فقيل : إنا نقيم الدلالة على أن عدم الشيء قد يتقدم على وجوده بنوع سادس ، مغاير لهذه الأقسام الخمسة. وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل.
والذي يدل على حصول هذا القسم السادس وجوه :
الحجة الأولى : إن الزمان أمر لا يوجد إلّا بتعاقب أجزائه ، وتلاحق أقسامه ، فإذا فني منه جزء ، فالجزء الذي يحدث بعده إما أن يكون واجب الوجود لذاته ، وإما أن لا يكون. والأول باطل ، لأن واجب الوجود لذاته ، هو الذي لا تكون ماهيته قابلة للعدم ، وهذا الجزء الذي حدث الآن بعد أن كان معدوما كان قابلا للعدم ، فيمتنع كونه واجب الوجود لذاته. وإذا بطل هذا وجب أن يكون ممكن الوجود لذاته ، وكل ما كان كذلك فإنه لا يلزم من فرض عدمه من حيث هو هو [محال (١)] فلنفرض : أن الجزء الأول (٢) من الزمان فني (٣) ولم يحدث عقبه جزء آخر من الزمان ، فهناك حصل العدم بعد الوجود ، وليست تلك البعدية [بالزمان ، لأنا فرضنا عدم الزمان مطلقا ، فههنا قد حصلت القبلية والبعدية (٤)] من غير اعتبار الزمان ، فإذا عقل ذلك ، فليعقل أيضا حصول القبلية والبعدية بين وجود الحادث وبين عدمه لا بالزمان أيضا. وذلك هو المطلوب.
الحجة الثانية : لا شك أن الزمان عبارة عن أقسام متلاحقة ، وأجزاء متعاقبة. فنقول: كل واحد من تلك الأجزاء قد حدث بعد عدمه ، وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته [وكل واحد من أجزاء الزمان ممكن لذاته (٥)] وكل ما كان كل واحد من أجزائه ممكنا لذاته، فإن مجموعه أيضا ممكن لذاته.
__________________
(١) من (ط).
(٢) الذي (ت).
(٣) وإن لم (ت).
(٤) من (ط ، س).
(٥) من (ط).