وأجيب عن هذا الجواب : بأن ثبوت الإمكان للممكن. واجب لذاته. ووجوده شرط لكونه موصوفا بهذا الإمكان الموجود. وما كان شرطا لما كان واجبا لذاته ، [فهو أولى أن يكون واجبا لذاته] (١) فيلزم كون الهيولى واجبة لذاتها.
واعلم أن من المتقدمين من التزم ذلك. وقال : ثبت أن الجسمية يمتنع حلولها في محل.
فالجسم ذات قائمة بنفسها ، فلو كان ممكنا ، لكان محل إمكانه إما يكون نفس ذاته، أو شيئا آخر يكون له كالهيولى ، والأول محال. لأن الممكن ممكن لذاته لا لغيره. وكون ذاته موجودة ، شرط لكونها قابلة لذلك الإمكان ، وما كان شرطا لما يكون واجب الثبوت لذاته ، فهو أولى أن يكون واجبا لذاته ، فيلزم أن يقال : الممكن لذاته ، واجب لذاته. وهو محال. والثاني أيضا : محال ، لأنه على هذا التقدير تكون الجسمية مفتقرة إلى الهيولى. وقد دللنا على أن ذلك محال. وأيضا : فبتقدير أن تكون مفتقرة إلى الهيولى ، فتلك الهيولى إن كانت ممكنة ، افتقرت إلى هيولى أخرى. ويمر ذلك إلى ما لا نهاية له ، وهو محال. وإن انتهت بالآخرة إلى هيولى غنية عن هيولى أخرى ، فحينئذ يسقط هذا الاحتمال.
واعلم : أن هذه الشبهة قوية ، لو ثبت أن الإمكان صفة موجودة ، إلا أن الكلام فيه ما تقدم [والله أعلم] (٢)
الحجة الثانية : العالم ممكن الوجود في الأزل ، فوجب أن يكون واجب الحصول في الأزل. أما بيان المقام الأول ، فهو أنه لو كذب قولنا : إنه ما كان ممتنع الوجود لذاته في [الأزل (٣)] صدق نقيضه ، وهو أنه كان ممتنع الوجود في الأزل ، فيلزم أن يقال : إنه انتقل من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي. وقد بينا بالدلائل الكثيرة : أن ذلك محال. فيثبت بما ذكرنا : أن العالم ما كان ممتنع
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ت)
(٣) من (ط ، س)