وذهب إلى هذا القول جمع [عظيم (١)] من أصحاب الآثار والأخبار.
وقالت طائفة خامسة : الأصل هو الهواء ، فإذا تحرك وتسخن حدثت (٢) النار ، وإذا تكاثف حدث الماء ، وإذا تكاملت الكثافة حصلت الأرض.
واعلم أن هذه الأقوال متدافعة ، وكل واحد منها فهو في نفسه [محتمل (٣)] فهذا تمام الكلام في التفريع على قولنا : الأجسام بأسرها متماثلة.
أما على القول بأن الأجسام مختلفة في ماهياتها. فإنه يقال : جسمية [النار جسمية(٤)] مخصوصة توجب الحرارة لذاتها ، وجسمية الماء جسمية مخصوصة توجب البرودة. لذاتها ، وعلى هذا التقرير فالكون والفساد على هذه العناصر : ممتنع. وهؤلاء يلزمهم أن يقولوا : إن هذه العناصر الأربعة ، كانت موجودة في الأزل ، ثم إنها لما اختلطت حصل هذا العالم بسبب اختلاطها وامتزاجها. ثم القائلين بهذا القول لهم أيضا قولان : منهم من قال : إن الكيفيات الأصلية في هذه الأربع ، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، أما سائر الكيفيات فهي كيفيات تحدث بسبب الامتزاج ، فالجزية واللحمية والعسلية والحلية ، كيفيات إنما تحدث بسبب الامتزاج ، فهذه الأجسام لما كانت غير ممتزجة في الأزل ، كانت خالية من هذه الكيفيات. ومن الناس من قال : هذه الكيفيات أيضا أصلية ذاتية ، فالخبزية [صفة ذاتية للخبز (٥)] وكذلك اللحمية. إلا أن تلك الأجزاء صغيرة جدا ، ومختلطة بعضها بالبعض ، فلا تظهر هذه الصفات منها ، لأجل أن اختلاطها بغيرها ، يوجب تكون هذه الصفات والطبائع ، فإذا اتفق سبب أوجب انضمام تلك الأجزاء المتجانسة بعضها إلى بعض ، ظهر جسم كبير محسوس على تلك الطبيعة ، فيظن أن تلك الصفة حدثت ، وليس الأمر كذلك بل هو على الوجه الذي ذكرناه. وهؤلاء هم القائلون بالخليط الذي لا نهاية
__________________
(١) من (ت)
(٢) حصلت (ت)
(٣) سقط (ط)
(٤) من (ت)
(٥) من (ط ، س)