الجزء المتأخر ، بعد أن كانت غير مؤثرة فيه : لا بد له من سبب ، وذلك السبب إن كان هو ذلك الحادث ، لزم الدور أو غيره. ويلزم التسلسل ، وكلاهما محالان. فثبت : أن هذا الكلام باطل.
ولقائل أن يقول : مدار هذا الكلام على أن الشيء الذي يصدق عليه : أنه ما كان مؤثرا ، ثم صدق عليه أنه صار مؤثرا. فإن تلك المؤثرية لا بد لها من سبب وعلة وموجب. فنقول : إن صدق هذا الكلام ، فقد بطل القول بحدوث العالم. لأنه لو كان العالم محدثا لصدق على البارئ تعالى ، أنه ما كان مؤثرا فيه. وحينئذ يلزم افتقار تلك المؤثرية الحادثة إلى سبب وعلة وموجب. فإن كان ذلك السبب هو العالم ، لزم الدور. وإن كان شيئا آخر ، لزم التسلسل. فثبت : أن حدوث المؤثرية إن أوجب ما ذكرتم ، ألزمكم القطع بفساد القول ، بحدوث العالم. وأما إن لم يوجب حدوث المؤثرية : افتقارها إلى سبب آخر ، فقد سقط هذا الكلام بالكلية.
وأما السؤال الثاني : وهو قولكم (١) : «إنه تعالى فاعل لكل واحد من تلك الحوادث ، أو فاعل لمجموعها» فنقول : لما سلمتم كونه تعالى فاعلا لكل واحد من تلك الحوادث ، وجب كونه فاعلا لمجموعها. قوله : «المجموع واجب الحصول عند حصول آحاده» قلنا : تعنون به : أنه واجب الحصول عند كل واحد من آحاده ، أو تعنون به : أنه واجب الحصول عند مجموع آحاده؟ والأول : ظاهر الفساد. لأن العشرة لا تكون واجبة الحصول عند حصول كل واحد من آحادها. والثاني أيضا : ظاهر الفساد لأن العشرة ليست إلا جملة آحادها. فحينئذ يرجع حاصل الكلام : إلى أن المجموع واجب الحصول ، عند حصول المجموع. وذلك يقتضي تعليل الشيء بنفسه. وإنه محال.
وأما السؤال الثالث : وهو قوله : «تقدم الفاعل على الفعل : غير واجب» فنقول: هذا باطل. لأن الفاعل المختار ، هو الذي يفعل بواسطة
__________________
(١) قولهم (ط)