القصد (١) والقصد إلى إيجاد الشيء حال بقائه : محال معلوم الامتناع بالبديهة. وأما الوجوه التي ذكرتموها فنحملها على الموجب بالذات. وذلك غير ممتنع. إنما الممتنع حصول الفعل بالفاعل المختار ، مع كون ذلك الفعل قديما.
وأما السؤال الرابع : وهو قولكم : (٢) «إن دليلكم يوجب انتهاء المدة إلى المبدأ ، لا يحصل قبله قبل البتة ، وذلك مدفوع في بديهة العقل ، فكان دليلكم دفعا للعلم البديهي ، فيكون باطلا» قلنا : لا نسلم : أن إثبات مبدأ المدة والزمان مدفوع في بديهية العقل. والدليل عليه : أن العقلاء اختلفوا فيه ، ولو كان بديهيا لما وقع الاختلاف فيه.
الحجة السادسة : لو لم يكن للأدوار الماضية أول ، لكانت الأدوار الماضية غير متناهية ، وما لا نهاية له ، لا ينتهي. فلو كانت الأدوار الماضية غير متناهية ، لامتنع ابتداؤها (٣) ولما دل الحس على انتهاء الأدوار الماضية [إلى هذا اليوم (٤)] علمنا : أن الأدوار الماضية لها أول.
اعترض الخصم عليه. فقال : إن هذه الحوادث لا نهاية لها من جانب الأزل ، وهي متناهية من الجانب الذي يلينا ويتصل بنا. وكونه غير متناه من أحد الجانبين ، لا يناقض كونه متناهيا من الجانب الآخر. فإن قال المستدل : المراد من هذا الدليل : أن الدورات الماضية لو كانت غير متناهية في العدد ، لامتنع انتهاؤها إلى طرف معين ، ومقطع معين ، وحينئذ يظهر وجه الاستدلال.
قال المعترض : الأعداد التي لا نهاية لها ، إذا ابتدأت من وقت معين ، امتنع انتهاؤها إلى وقت آخر ، يحكم فيه بأن كل ما لا نهاية له ، قد خرج إلى الفعل ، فيما بين هذين الطرفين. لأن على هذا التقدير تكون [مدة (٥)] حدوثها
__________________
(١) الفعل (ط ، ت)
(٢) قولهم (ط)
(٣) انتهاؤها (ت ، ط)
(٤) من (ت ، ط)
(٥) من (ط)