ماهيات الذوات. فيثبت : أن الأجسام كلها متساوية في تمام الماهية. وإذا ثبت هذا وجب أن يصح على كل واحد ، ما صح على الآخر. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن يصح على كل واحد منها : أن يخرج عن حيزه ، ويحصل في حيز الجسم الآخر. وكذا القول في الجسم الآخر ، وذلك يدل : على أن كل جسم ، فإنه يصح خروجه عن حيزه المعين.
الحجة الثانية : الأحياز بأسرها متساوية في تمام الماهية ومتى كان الأمر كذلك ، كانت الأجسام بأسرها قابلة للحركة. بيان الأول : أن الفضاء والجهة والحيز : لا معنى له إلا وهذا الخلاء الممتد. وهذا المفهوم قدر مشترك بين جميع الأحياز. فلو فرضنا اختلافها ، لكان الأمر الذي به حصل ذلك الاختلاف ، مغايرا لهذا المفهوم ، الذي به حصل الاشتراك. وإذا ثبت هذا ، فنقول : ذلك الأمر الذي به حصلت هذه المخالفة ، إما أن يكون حالا في هذا الفضاء ، أو محلا له ، أو لا حال فيه ، ولا محلا له. والأول باطل. لأن أجزاء الفضاء لما كانت في أنفسها متساوية ، فكل ما صح حلوله في أحد تلك الجوانب ، صح حلوله في الجانب الآخر منه. والثاني أيضا باطل. وإلا لكان هذا الفضاء حاصلا في مادة ، وكل بعد حال في مادة ، فهو جسم عند من يثبت للجسم مادة. فأما عند من ينكر هذه المادة ، فالقول بحلول هذا البعد في المادة : محال. والثالث [أيضا (١)] باطل لأن ما لا يكون حالا في شيء ، ولا محلا له ، امتنع أن يصير سببا لاختلاف أحوال ذلك الشيء. فيثبت : أن الأجزاء المفترضة في هذا الخلاء ، وفي هذا الفضاء متساوية. فوجب أن يصح على كل واحد منها ، ما صح على الآخر. فكما صح على هذا الحيز ، أن يحصل فيه هذا الجوهر ، فكذلك وجب أن يصح عليه : أن يحصل فيه الجوهر الآخر. ومتى ثبت هذا ، لزم صحة الحركة على كل الأجسام.
فإن قالوا : أليس أن الأحياز مختلفة ، لأجل أن بعضها فوقنا ، وبعضها تحتنا. فإذا حصل هذا النوع من الاختلاف ، فلم لا يجوز أن يقال : بعض
__________________
(١) من (ط)