من هذه المسائل : فظهر : أن الخوض فيها فضول من غير فائدة.
وإنما قلنا : إن كل ما كان جائز الزوال ، فإنه يمتنع كونه أزليا. لوجوه من الدلائل :
الحجة الأولى : وهي التي عوّل عليها الأشعرية. أن قالوا : القديم لو عدم ، لكان عدمه إما أن يكون بإعدام معدم ، أو بطريان ضد ، أو بانتفاء شرط. والأقسام الثلاثة باطلة ، فالقول بعدم القديم باطل.
واعلم أنا بالغنا في تقرير هذه الحجة ، في تقرير قول من يقول : الأجسام يمتنع أن تصير معدومة ، بعد أن كانت موجودة. ولما ذكرنا هذه الحجة هناك مع الزوائد الكثيرة ، والتقريرات اللطيفة ، فلا فائدة في الإعادة.
الحجة الثانية : وهي التي عولنا عليها في الكتب الكلامية : أن يقال : القديم إما [أن يكون (١)] واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. فإن كان واجبا لذاته ، امتنع عليه العدم. لأن المراد من الواجب لذاته ما تكون حقيقته غير قابلة للعدم. وما كان كذلك ، امتنع العدم عليه. وأما إن كان ممكنا لذاته ، فنقول : كل (٢) ما كان ممكنا لذاته ، فله مؤثر. وذلك المؤثر ، إما أن يكون فاعلا مختارا ، وإما أن يكون موجبا بالذات. والأول باطل. لأن الفاعل المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد. والقصد إلى تكوين الشيء حال بقائه محال. بل القصد إلى التكوين : إنما يمكن (٣) إما حال عدمه ، وإما حال حدوثه. وعلى التقديرين ، فكل ما يقع بالفاعل المختار ، فهو حادث. والقديم ليس بحادث. فامتنع إسناد القديم إلى الفاعل المختار. والقسم الثاني : وهو أن يقال : ذلك القديم معلل بعلة قديمة. فنقول : تلك العلة القديمة ، إن كانت ممكنة عاد التقسيم فيه ، وإن كانت واجبة لذاتها ، فإما أن يكون تأثيرها في وجود ذلك القديم غير موقوف على شرط ، أو كان موقوفا على شرط. فإن
__________________
(١) من (ط)
(٢) كل ممكن لذاته (ت)
(٣) يكون (ت)