كان الأول ، لزم من امتناع العدم على تلك العلة القديمة ، امتناع العدم على ذلك المعلول القديم ، وذلك يفيد صحة قولنا : إن الأزلي لا يزول.
وأما الثاني : وهو أن يقال : إن تأثير تلك العلة القديمة ، في ذلك المعلول القديم ، يتوقف على شرط. فنقول : ذلك الشرط ، إن كان ممكنا عاد التقسيم الأول فيه ، وإن كان واجبا ، فحينئذ تكون العلة المؤثرة في وجود ذلك القديم ، واجبة لذاتها ، ويكون شرط ذلك التأثير أيضا : واجبا لذاته. وعلى هذا التقدير فإن ذات العلة : واجبة لذاتها. وشرط تأثيرها في ذلك القديم : واجب لذاته. ويلزم من وجوب وجود هذين الأمرين : وجوب دوام ذلك المعلول ، وامتناع عدمه. فيثبت بما ذكرنا : أن كل ما كان قديما ، فإنه يمتنع عدمه. فلما دللنا على أن كل سكون فهو جائز الزوال [ثبت (١)] أن السكون يمتنع أن يكون أزليا [والله أعلم (٢)]
فإن قيل : الكلام على هذه الحجة. من وجوه :
الأول : أن نقول : البارئ تعالى ، إما أن يكون عالما بالجزئيات ، أو ليس كذلك. فإن كان الحق هو القسم الثاني ، وهو أن العلم بالجزئيات والتغيرات على الله تعالى محال. فعلى هذا التقدير يمتنع كون العالم محدثا ، لأنه لو كان محدثا ، لما حدث إلا لأجل أنه تعالى قصد إلى إيجاده وتكوينه ، لكن على تقدير بأن لا يكون عالما بالجزئيات ، فإنه يمتنع كونه قاصدا إلى إيجاد العالم ، لأن القصد إلى إيجاد الشيء ، مشروط بكونه عالما ، بأن العالم معدوم ، وأنه سيوجد. فإذا كان العلم بالجزئيات محالا ، لكان هذا القصد محالا. وإما إن كان الحق هو القسم الأول ، وهو أنه تعالى عالم بالجزئيات. فنقول : فعلى هذا التقدير صدق على الله تعالى : أنه ما كان عالما في الأزل بوجود العالم ، ثم صدق عليه : أنه صار عالما بوجود العالم عند دخوله في الوجود ، فصدق هذا
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) من (ت)