الفصل الرابع
في
أن الصادر الأول عن الله. ما هو؟
على قول من يقول : الواحد ، لا يصدر عنه الا الواحد
قالوا : ثبت : أنه تعالى فرد منزه عن جميع جهات الكثرة ، وثبت : أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، فوجب القطع بأن الصادر [الأول (١)] عن الله تعالى شيء واحد. فنقول : ثبت أن كل ممكن فهو إما جوهر وإما عرض ، فذلك الصادر الأول إما جوهر وإما عرض. لا جائز أن يكون عرضا ، لأن العرض محتاج إلى الجوهر ، ومتأخر بالرتبة عن الجوهر. فلو كان الصادر الأول عرضا ، لكان علة للجواهر ، فحينئذ يكون العرض سابقا على الجوهر ، مع أن الجوهر كان سابقا على العرض ، فيلزم الدور ، وهو محال. فيثبت : أن الصادر الأول جوهر. فنقول : ذلك الجوهر إما أن يكون جسما ، أو جزءا من أجزاء ماهية الجسم ، أو لا جسما ولا جزءا من أجزاء ماهية الجسم. والأول باطل. لأن الجسم مركب من الهيولى والصورة. فتكوين الجسم لا يمكن إلا بتقدم تكوين أجزائه. وإذا كان كذلك ، امتنع أن يكون الصادر الأول جسما. ولا جائز أن يكون الصادر الأول جزءا من أجزاء ماهية الجسم ، لأن ذلك الجزء إما الهيولي أو الصورة ، ولا جائز أن يكون الصادر الأول : هو الهيولى ، لأن الصادر الأول يكون علة لما بعده ، فلو كان الصادر الأول هيولى ، لزم كون الهيولى علة مؤثرة ، موجدة لسائر الأشياء. لكن الهيولى موجود قابل ، فيلزم أن
__________________
(١) من (ط ، س).